الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: الأسماء والأحكام
271 -
حدثنا أبو بكر محمد بن يزيد قال: حدثنا عبد الأعلى بن سليمان الزراد قال: حدثنا غالب القطان قال: لقيني الأشياخ من عبد القيس فقالوا لي: ما شهادتك على مالك بن المنذر
(1)
، وعلى يزيد بن المهلب
(2)
، وعلى الحجاج بن يوسف
(3)
إن لم تشهد عليهم أنهم منافقين
= الخوارج". أخرجه اللالكائي في شرح الاعتقاد (1804).
وقال الآجري في الشريعة (2/ 667): "إذا قال لك رجل: أنت مؤمن؟ فقل: اَمنت بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والموت، والبعث من بعد الموت، والجنة والنار، وإن أحببت ألا تجيبه، وتقول له: سؤالك إياي بدعة، ولا أجيبك. وإن أجبْتَه فقلت: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى، على النعت الذي ذكرنا فلا بأس به، واحذر مناظرة مثل هذا، فإن هذا عند العلماء مذموم، واتبع أثر من مضى من أئمة المسلمين تسلم إن شاء الله تعالى".
(1)
مالك بن المنذر بن الجارود العبدي، وكان على شُرط البصرة من قبل خالد بن عبد الله القسري. انظر تاريخ خليفة بن خياط (ص 99).
(2)
يزيد بن المهلب بن أبي صفرة، الأمير، أبو خالذ الأزدي. ولي المشرق بعد أبيه، ثم ولي البصرة لسليمان بن عبد الملك، ثم عزله عمر بن عبد العزيز بعَديّ بن أرطاة، وطلبه عمر وسجنه. قتل سنة (102). سير أعلام النبلاء (4/ 503).
(3)
تقدمت ترجمته في الأثر (85).
براء من الإيمان، من أهل النار فإنك شكاك في كتاب الله، فأتيت الحسن فأخبرته بمقالة الأشياخ، فقال الحسن: ابن أخي رويدك بالشهادة تجر بك
(1)
المعرفة، إنك من أهل دين لا يحل لأحد أن يشهد عليك أنك من أهل النار. فأتيت محمد بن سيرين فأخبرته بمقالة الأشياخ فقال لي: أما مالك بن المنذر فأقرب ما كان منك جوارًا، وأعظمه عليك حقا تشهد عليه، لا آمرك بالشهادة عليه، وأما يزيد بن المهلب فتعرف ركب الأزد، فإن شئت فتعرض له، وأما الحجاج بن يوسف، والمسكين الحجاج، المسكين أبو محمد انتهك الحرمة، وركب المعصية فإن يعذبه بذنبه، وإن يغفر له فإنا لا ننفس
(2)
عليه المغفرة. قال: فأتيت بكر بن عبد الله المزني فأخبرته بمقالة الأشياخ قال: لو أن الناس اجتمعوا يوم الجمعة فقالوا لي: أتعرف أفضل هؤلاء رجلا واحدا؟ لقلت: أتعرفون أنصحهم لهم؟ فلو قيل له: إنه هذا. فعرفت أنه كذلك لقلت: هذا أفضلهم، ولو قيل لي: أتعرف أشرهم رجلا واحدا؟ لقلت: أتعرفون أغشهم لهم؟ فلو قيل له: هذا، فعرفت أنه كذلك، لقلت: هذا أشرهم،
(1)
عند الفريابي في القدر "رويدك لا شهاد نعصي عنك المعرفة".
(2)
أي لا نبخل عليه. انظر النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 96).
ولو قيل لي: اشهد لأفضلهم أنه من أهل الجنة لم أشهد، ولو قيل لي: اشهد على أشرهم أنه من أهل النار لم أشهد، فإذا كان رجائي لشرهم فكيف رجائي لخيرهم؟ وإذا خشيتي على خيرهم فكيف خشيتي على شرهم
(1)
.
272 -
حدثنا أبو معن قال: ثنا أبو داود قال: ثنا القاسم بن الفضل قال: حدثنا عبد الكريم بن المعلم، عن طاوس قال: كنت عند ابن
(1)
مسائل الإمام أحمد برواية حرب الكرماني (ص 395 - 396).
الإسناد فيه: عبد الأعلى بن سليمان الزراد: قال ابن حجر في اللسان (3/ 381): روى عن الهيثم بن جميل بخبر باطل في الأيام البيض لعله آفته.
وجاء في تاريخ بغداد (11/ 71): أن عبد الأعلى بن سليمان سمع من غالب القطان.
وقد تابع عبدَ الأعلى عن غالب عبدُ الوهاب بن عبد المجيد الثقفي كما في إسناد الفريابي.
وغالب القطان: وهو ابن الخطاف وهو ابن أبب غيلان الراسبي، يكنى أبا سلمة، وثقه أحمد وابن معين. انظر الجرح والتعديل (7/ 48). والكاشف للذهبي (2/ 115).
وأخرجه الفريابي في القدر (ص 220 - 221) عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الوهاب الثقفي عن غالب القطان به نحوه. وقال محققه: إسناده صحيح.
عمر، فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن قوم يحكمون بالهوى، ويقتلون في المعصية، ويستأثرون بالفيء أكفارٌ هم؟ قال: لا، قال: قوم يشهدون علينا بالكفر ويسفكون دمانا تقربًا إلى الله أكفارٌ هم؟ قال: لا، قال: فما الكفر؟ قال: أن يجعل مع الله إلهين مثنى
(1)
.
273 -
سمعت أحمد ذكر قول الله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44].
حدثنا أحمد قال: ثنا وكيع قال: ثنا سفيان، عن سعيد المكي
(2)
، عن طاوس
(3)
قال: ليس بكفر ينقل عن الملة
(4)
.
(1)
مسائل الإمام أحمد برواية حرب الكرماني (ص 396).
الإسناد ضعيف: لأجل عبد الكريم بن أبي المُخَارِيق، أبو أمية المعلم، فإنه ضعيف. انظر التقريب (ص 302).
(2)
سعيد بن حسان القرشي المخزومي المكي.
(3)
طاوس بن كيسان اليماني، أبو عبد الرحمن الحميري مولاهم الفارسي، يقال اسمه ذكوان، وطاوس لقب، ثقة، فقيه، فاضل، مات سنة (106) وقيل بعد ذلك. تذكرة الحفاظ (1/ 90)، والتقريب (ص 223).
(4)
مسائل الإمام أحمد برواية أبي داود السجستاني (ص 283 - رقم 1356).
الإسناد فيه: سعيد بن حسان المكي، صدوق له أوهام. التقريب (ص 174).
وأخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (8/ 465)، وسفيان الثوري في تفسيره (ص 101)، وعبد الرزاق الصنعاني في تفسيره (1/ 191) جميعهم عن رجلَ عن =
274 -
ثنا أحمد قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء قال: كفرٌ دون كفر، وظلمٌ دون ظلم، وفسقٌ دون فسق
(1)
.
275 -
قال: وسمعت وكيعًا يقول: قال سفيان: الناس عندنا مؤمنون في الأحكام والمواريث، ونرجو أن يكون كذلك، ولا ندري ما حالنا عند الله
(2)
.
276 -
قال حرب الكرماني فيما ينقله عن مذهب أئمة العلم
= طاوس به، وأخرجه محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (2/ 522) من طريق سفيان عن سعيد المكي عن طاوس به.
(1)
مسائل الإمام أحمد برواية أبي داود السجستاني (ص 283 - رقم 1357).
رجال إسناده ثقات، وابن جريج مدلس وقد عنعن، وهو عند ابن حجر من الطبقة الثالثة: الذين أكثروا من التدليس فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع، ومنهم من رُد حديثهم مطلقا، ومنهم من قبلهم كأبي الزبير المكي. انظر طبقات المدلسين (ص 13 وص 41).
وأخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (8/ 464 - 465)، وسفيان الثوري في تفسيره (ص 101)، وعبد الرزاق الصنعاني في تفسيره (1/ 191)، ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (2/ 522) عن ابن جريج عن عطاء به.
(2)
مسائل الإمام أحمد برواية ابنه صالح (3/ 225 - رقم 1700).
هذا الأثر مكرر. انظر الأثر رقم (257).
وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها: ولا نشهد على أحد من أهل القبلة أنه في النار لذنب عمله ولكبيرة أتى بها
(1)
، إلا أن يكون في ذلك حديث فيروي الحديث كما جاء على ما روي ويصدق به ويقبل ويعلم أنه كما جاء، ولا ننصب الشهادة، ولا يشهد على أحد أنه في الجنة لصلاح عمله أو لخير أتى به، إلا أن يكون في ذلك حديث فيروي الحديث كما جاء على ما روي، يصدق ول، ويقبل ويعلم أنه كما جاء ولا ننصب الشهادة.
وقال حرب أيضا: والكف عن أهل القبلة لا تكفر أحدًا منهم بذنب، ولا تخرجه من الإسلام بعمل، إلا أن يكون في ذلك حديث فيُروي الحديث كما جاء وكما رُوي، وتصدق به وتقبله، وتعلم أنه كما روي نحو ترك الصلاة، وشرب الخمر، وما أشبه ذلك، أو يَبتدع بدعة يُنسب صاحبها إلى الكفر والخروج من الإسلام، واتبع الأثر في ذلك ولا تجاوزه
(2)
.
(1)
نحو شرب الخمر والزنا والسرقة.
(2)
مسائل الإمام أحمد برواية حرب الكرماني (ص 357 - 358).
التعليق: هذه الآثار الواردة عن السلف فيها البيان الصريح والمعتقد الصحيح =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
في عدم تكفير أهل القبلة بمطلق المعاصي والذنوب، وهذا أصل عظيم من الأصول التي تميز بها أهل السنة والجماعة عن غيرهم من أهل البدع والأهواء، فأهل السنة والجماعة لا يكفرون إلا من قام الدليل الشرعي، من الكتاب والسنة على كفره، فمن ارتكب كبيرة من الكبائر، فإخهم لا يخرجونه من الملة، بل هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، فلا يعطونه الإيمان المطلق، ولا يسلبون عنه مطلق الإيمان، فإن مات ولم يتب، فإخهم يجرون عليه أحكام المؤمنين، أما في الآخرة فهو تحت المشيئة، إن شاء الله غفر له وأدخله الجنة من غير عذاب، وإن شاء عذبه في النار ثم يدخله الجنة، ولا يخلد في النار لعدم ارتكابه ما يناقض الإيمان.
هذا هو المنهج الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وتضافرت أقوال السلف في تقريره.
فمن الكتاب العزيز: قوله تعالى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:9]، فسمى كلا الطائفتين مؤمنين، مع قتال بعضهم لبعض.
قال ابن كثير في تفسيره (7/ 374): "فسماهم مؤمنين مع الاقتتال، وبهذا استدل البخاري وغيره على أنه لا يخرج من الإيمان بالمعصية وإن عظمت، لا كما يقوله الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة ونحوهم".
وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178].
قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية (ص 302): "فلم يخرج القاتل من الذين =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= آمنوا، وجعله أخا لولي القصاص، والمراد أخوة الدين بلا ريب".
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48].
قال النووي في شرح صحيح مسلم (3/ 55): "وفي هذا دلالة لمذهب أهل الحق وما أجمع عليه السلف: أنه لا يخلد في النار أحد مات على التوحيد. والله أعلم".
ومن السنة المطهرة: ما جاء عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة". قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: "وإن زنى وإن سرق". قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: "وإن زنى وإن سرق". قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: "وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر". رواه البخاري (5827)، ومسلم (94).
قال العيني في عمدة القاري (22/ 8): "وفيه أن الكبيرة لا تسلب اسم الإيمان، وأخها لا تحبط الطاعة، وأن صاحبها لا يخلد في النار وأن عاقبته دخول الجنة".
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارا، وكان يُضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوما فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تلعنوه فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله". رواه البخاري (6780). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكفر هذا الرجل، مع أنه شرب الخمر أكثر من مرة، بل نهى الصحابة عن لعنه وأخبرهم أنه يحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتو ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وَفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله: إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه". رواه البخاري (18)، قال ابن حجر في فتح الباري (1/ 89):"تضمن -أي هذا الحديث- الرد على من يقول: أن مرتكب الكبيرة كافر، أو مخلد في النار".
فهذه أدلة نقلية قاطعة على أن مرتكب الكبيرة ليس بكافر ولا يخلد في النار، بل هو بين الخوف والرجاء، وعلى هذا اتفق أهل السنة.
قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية (ص 301): "أهل السنة متفقون كلهم على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر كفرا ينقل عن الملة بالكلية".
وقال أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف (ص 276): "ويعتقد أهل السنة: أن المؤمن وإن أذنب ذنوبا كثيرة؛ صغائر وكبائر، فإنه لا يكفر بها. وإن خرج عن الدنيا، غير تائب منها، ومات على التوحيد". وانظر مجموع الفتاوى (3/ 151).