الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: صفة اليدين لله تعالى
38 -
حدثنا هشام بن عمار الدمشقي قال: حدثني الجراح بن مليح قال: ثنا أرطأة بن المنذر، عن جعفر بن أبي إياس
(1)
، عن مجاهد عن ابن عباس قال: أول ما خلق الله القلم، فأخذه بيمينه وكلتا يديه يمين، ثم خلق النون وهي الدواة، ثم خلق الألواح فكتب فيها الدنيا وما يكون فيها حتى تفنى من خلق مخلوق، أو عمل معمول بِر أو فُجُور، أو رزق من حلال أو حرام، أو أثر أو رطب، أو يابس، ثم ألزم كل شيء من ذلك شأنه وبقائه فيها وفناه متى تفنى، ثم جعل على ذلك الكتاب حفظة من الملائكة، وعلى الخلق حفظة، فتأتي ملائكة الخلق ملائكة ذلك الكتاب، فيلقون إليهم النسخ بما يكون في كل يوم وليلة من ذلك، فتهبط ملائكة الخلق إلى الخلق فيحفظونهم بأمر الله، ويسوقونهم إلى ما في أيديهم من تلك النسخ حتى إذا استكمل كل شيء من ذلك شأنه في كل يوم وليلة انقطع، فلم يكن لها مقام ولا بقاء ثم تلا:{إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 19] فقال رجل: يا أبا عباس،
(1)
كذا في المخطوط ل (255/ ب)"جعفر بن أبي إياس" والصحيح أنه "جعفر بن إياس" الذي يروي عن مجاهد.
ما كنا نرى النسخ إلا فيما تحفظ علينا الملائكة في كل يوم وليلة، قال: ألستم قومًا عربًا [هل]
(1)
يكون نسخه إلا من كتاب قد سبق؟، ثم قرأ:{وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59]. فقال: جميع الرطب واليابس كل شيء
(2)
.
39 -
حدثنا أبو ربيع الزهراني قال: ثنا يعقوب قال: أخبرنا حفص
(1)
أضفتها من كتاب الإبانة ليتضح المعنى.
(2)
مسائل الإمام أحمد برواية حرب الكرماني (ص 404).
الإسناد فيه: هشام بن عمار الدمشقي: صدوق مقرئ، كبر فصار يتلقن، فحديثه القديم أصح. مات سنة (245) التقريب (ص 504). والجراح بن مليح: هو البَهراني الحمصي، صدوق. التقريب (ص 77). وجعفر بن إياس: ثقة من أثبت الناس في سعيد بن جبير وضعفه شعبة في حبيب بن سالم وفي مجاهد. التقريب (ص 79).
وأخرجه ابن بطة في الإبانة -القسم الثاني- (1/ 339 - 340)، والآجري في الشريعة (339) وقال محققه: إسناده صحيح. وأخرجه مرفوعا الدارقطني في الصفات (ح 16)، وابن أبي عاصم في السنة (برقم 106) من طريق بقية بن الوليد عن أرطأة بن الوليد عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحسنه الألباني في التعليق عليه.
ابن حميد، عن شِمر بن عطية
(1)
قال: خلق الله جنة الفردوس بيده، فهو يفتحها في كل خميس يقول: ازدادي طيبًا لأوليائي
(2)
.
(1)
شمر:-بكسر أوله وسكون الميم- بن عطية الأسدي الكاهلي الكوفي، صدوق، من السادسة. التهذيب (2/ 180)، والتقريب (ص 210).
(2)
مسائل الإمام أحمد برواية حرب الكرماني (ص 407).
الإسناد فيه: أبو ربيع الزهراني: هو سليمان بن داود العتكي، ثقة. التقريب (ص 191).
ويعقوب: هو ابن عبد الله القُمِّي، صدوق يهم. التقريب (ص 537). وحفص ابن حميد القمي: لا بأس به. التقريب (ص 111).
وأخرجه ابن جرير في تفسيره (15/ 435) عن ابن حميد عن يعقوب به، وأبو نعيم الأصبهاني في صفة الجنة (رقم 181) من طريق أبي الربيع به، وقال محققه: إسناده مقطوع حسن.
وأخرجه كذلك أبو الشيخ -كما في حادي الأرواح (1/ 217) - من طريق أبي الربيع به.
ويشهد للجملة الأولى منه وهي قوله: "خلق الله جنة الفردوس بيده" ما جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "خلق الله أربعة أشياء بيده: العرش، والقلم، وعدن، وآدم، ثم قال لسائر الخلق: كن فكان". أخرجه أبو الشيخ في العظمة (2/ 579)، والدارمي في الرد على المريسي (1/ 261)، واللالكائي في شرح السنة (رقم 730)، وأورده الذهبي في العلو للعلي الغفار (ص 82) وقال: إسناده جيد. وصحح سنده الألباني في مختصر العلو (ص 105).
40 -
حدئنا عيسى بن محمد قال: ئنا يزيد بن هارون، عن الحسين الجريري، عن أبي عطاف قال: كتب الله التوراة لموسى بيده وهو مسند ظهره إلى الصخرة، سمع صريح القلم في ألواح من در ليس بينه وبينه إلا الحجاب
(1)
.
41 -
قال حرب الكرماني فيما ينقله عن مذهب أئمة العلم
(1)
مسائل الإمام أحمد برواية حرب الكرماني (ص 424).
الإسناد ضعيف؛ لأن فيه أبا عطاف وهو مجهول.
قال الدوري: سمعت يحيى يقول: أبو عطاف بصري، يروي عنه الجريري قلت له: فيروي عنه غير الجريري؟ قال لا أعلمه". تاريخ ابن معين رواية الدوري (4/ 134).
وقال البخاري في الكنى (ص 53): أبو عطاف الأزدي عن أبي هريرة، روى عنه الجريري".
قلت: والقاعدة عند المحدثين: أن الراوي إذا لم يرو عنه إلا واحد ولم يوثق فإنه يوصف بالجهالة. انظر النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي (3/ 375).
وأخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (1/ 294) من طريق يزيد بن هارون عن الجريري عن أبي العطاف مثله. وأخرجه أبو الشيخ عن عطاء كما في الدر المنثور للسيوطي (3/ 549).
وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها: والسماوات والأرضون يوم القيامة في كفه وقبضته
(1)
.
(1)
مسائل الإمام أحمد برواية حرب الكرماني (ص 360).
التعليق: صفة اليدين من الصفات التي أثبتها الله تعالى لنفسه، وأثبتها له نبيه صلى الله عليه وسلم، وآمن بها الصحابة ومن تبعهم بإحسان، فأئمة السلف مجمعون على إثبات يدين اثنتين لله تعالى كما يليق به سبحانه، وأن كلتيهما يمين كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وهي صفة ذاتية خبرية.
والدليل من الكتاب العزيز قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64].
وقوله تعالى: {قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75].
وقوله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 15].
ومن السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: "إن يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض، فإنه لم ينقص ما في يمينه، وعرشه على الماء، وبيده الأخرى الفيض أو القبض يرفع ويخفض". رواه البخاري (7419)، ومسلم (933).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عزَّوجلَّ، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلوا". رواه مسلم (1827).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: احتج آدم وموسى، فقال له موسى: يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة، قال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وخط لك بيده، أتلومني على أمر قدره الله عليَّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ فحج آدم موسى فحج آدم موسى. ثلاثًا. رواه البخاري (6614)، ومسلم (2652).
وقال الترمذي في السنن (2/ 43): "وقد ذكر الله عزَّوجلَّ في غير موضع من كتابه اليد والسمع والبصر، فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم، وقالوا: إن الله لم يخلق آدم بيده، وقالوا: إن معنى اليد ههنا القوة. وقال إسحق بن إبراهيم: إنما يكون التشبيه إذا قال: يد كيد، أو مثلُ يد، أو سمعٌ كسمع، أو مثل سمع، فإذا قال: سمع كسمع، أو مثل سمع فهذا التشبيه. وأما إذا قال كما قال الله تعالى: يد وسمع وبصر، ولا يقول كيفَ ولا يقول مثلُ سمع ولا كسمع؛ فهذا لا يكون تشبيها، وهو كما قال الله تعالى في كتابه:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
وقال أبو الحسن الأشعري في رسالته إلى أهل الثغر (ص 225): "وأجمعوا على أنه عزَّوجلَّ يسمع ويرى وأن له تعالى يدين مبسوطتين، وأن الأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه".
وقال ابن بطة في الإبانة -القسم الثالث- (3/ 314): "وقالوا -أي الجهمية- لا نقول إن لله يدين؛ لأن اليدين لا تكون إلا بالأصابع، وكف، وساعدين، وراحة، ومفاصل؛ ففروا بزعمهم من التشبيه، ففيه وقعوا، وإليه صاروا.
وكل ما زعموا من ذلك، فإنما هو من صفات المخلوقين، وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا؛ لأن يد الله بلا كيف، وقد أكذبهم الله عزَّوجلَّ وأكذبهم الرسول". =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقال المقدسي في "الاقتصاد في الاعتقاد" ص 116: "ولا نقول يد كيد، ولا نكيّف، ولا نشبّه، ولا نتأوّل اليدين على القدرتين كما يقول أهل التعطيل والتأويل، بل نؤمن بذلك ونثبت له الصفة من غير تحديد ولا تشبيه، ولا يصح حمل اليدين على القدرتين، فإن قدرة الله عزَّوجلَّ واحدة، ولا على النعمتين فإن نعم الله عزَّوجلَّ لا تحمى
…
".
وما نقله حرب الكرماني عن أئمة السلف في إثبات صفة الكف لله وأنه يقبض بها، هو كغيرها من الصفات التي نثبتها كما جاءت من غير كيف.
وقد ثبت في السنة الصحيحة أن لله كفا حقيقية تليق به تبارك وتعالى.
فقد روى مسلم في صحيحه (1014) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما تصدق أحد بصدقة من طيب -ولا يقبل الله إلا الطيب- إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل، كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله".
وقد ثبت أيضا أن الله تعالى يقبض يديه وكفه كيف شاء، وهذا ثابت بالكتاب والسنة.
فقد روى البخاري (4811)، ومسلم (2786) في صحيحيهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، فيقول: أنا الملك. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فضحك النبي عزَّوجلَّ صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67].
وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يقبض الله الأرض، ويطوي السماوات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض". رواه البخاري (4812)، ومسلم (2787).
قال ابن خزيمة في كتابه التوحيد (ص 82 - 83): "نحن نقول: لله جل وعلا يدان كما أعلمنا الخالق البارئ في محكم تنزيله وعلى لسان نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، ونقول: كلتا يدى ربنا عزَّوجلَّ يمين على ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ونقول: إن الله عزَّوجلَّ يقبض الأرض جميعا بإحدى يديه ويطوى السماء بيده الأخرى، وكلتا يديه يمين لا شمال فيهما".
وقال ابن القيم في مختصر الصواعق (3/ 949 - 950): "إن اقتران لفظ الطي والقبض والبسط والإمساك باليد يصير المجموع حقيقة، هذا في الفعل وهذا في الصفة، بخلاف اليد المجازية فإنها إذا أريدت لم يقترن بها ما يدل على اليد الحقيقية، بل ما يدل على المجاز كقولهم: "له عندي يد" و"أنا تحت يده" ونحو ذلك، وأما إذا قيل: "قبض بيده" و"أمسك بيده" أو "قبض بإحدى يديه" فهذا لا يكون إلا حقيقة".