الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني عشر: صفة القرب لله تعالى
52 -
حدثنا أحمد بن حنبل قال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال: حدثني عبد الصمد بن معقل قال: سمعت وهب بن منبه يقول: قال الله لموسى: أدنيتك وقربتك حتى سمعت كلامي. وكنت بأقرب
= يكون فيه منازعة في نفس الأمر أصلا، فإنه لشى وراء نفيه إلا نفي وجوب الرب ونفي حقيقته، وأما الحدُّ بمعنى العلم والقول، وهو أن يحده العباد، فهذا منتف بلا منازعة بين أهل السنة".
قال شيخ الإسلام: "فإن المشاهير بالإمامة في السنة أثبتوه، كما ذكره عثمان بن سعيد عنهم وسمى ابن المبارك". بيان تلبيس الجهمية (3/ 697).
ومراد السلف من ذلك سد الطريق على الجهمية فيما ادعوه من أن الله تعالى في كل مكان.
وأما ما جاء عن الإمام أحمد من روايات في نفي الحد عن الله تعالى، فقد وجه ذلك شيخ الإسلام بقوله:"فهذا الكلام من الإمام أبي عبد الله أحمد رحمه الله، يبين أنه نفى أن العباد يحدون الله تعالى أو صفاته بحد، أو يُقدرون ذلك بقدر، أو أن يبلغوا إلى أن يصفوا ذلك؛ وذلك لا ينافي ما تقدم من إثبات أنه في نفسه له حد يعلمه هو لا يعلمه غيره، أو أنه هو يصف نفسه. وهكذا كلام سائر أئمة السلف يثبتون الحقائق وينفون علم العباد بكنهها". بيان تلبيس الجهمية (2/ 628).
الأمكنة مني، فانطلق برسالتي، فإنك بعيني وسمعي، وإن معك أيدي وبصري
(1)
.
(1)
مسائل الإمام أحمد برواية حرب الكرماني (ص 410).
هذا الأثر مكرر، انظر الأثر رقم (44).
التعليق: هذا الأثر فيه إثبات صفة القرب لله تعالى، وأن الله يقرب من عباده الصالحين بلا كيف ندركه، والقرب قربان: قرب معنوي حيث يقرب من داعيه بالإجابة ومن مطيعه بالإثابة، وقرب ذاتي وهو من الصفات الفعلية الاختيارية التي لها تعلق بمشيئته وإرادته.
وقد دل الكتاب والسنة على إثبات هذه الصفة، فقال تعالى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]. وقال تعالى: {إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} [هود: 61].
وقال صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم، إنكم ليس تدعون أصم ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعًا قريبًا". رواه مسلم (2704).
وقال صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: "وإن تقرب إليّ شبرا تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرب إلي ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة". رواه البخاري (7405)، ومسلم (2675).
قال ابن القيم في مدارج السالكين (3/ 272): "أي من تقرب إلى حبيبه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
بروحه وجميع قواه، وإرادته وأقواله وأعماله: تقرب الرب منه سبحانه بنفسه في مقابلة تقرب عبده إليه.
وليس القرب في هذه المراتب كلها قرب مسافة حسية، ولا مماسة. بل هو قرب حقيقي. والرب تعالى فوق سماواته على عرشه، والعبد في الأرض. وهذا الموضع هو سر السلوك، وحقيقة العبودية".
وقرب الله تعالى لا يكون من كل أحد، وإنما يقرب تعالى من عباده المؤمنين الطائعين، فكل موضع ذكرت فيه هذه الصفة كانت مقيدة بأحوال مخصوصة.
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (15/ 17): "وقد قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]، وهذا القرب من الداعي: هو قرب خاص ليس قربًا عامًا من كل أحد، فهو قريب من داعيه، وقريب من عابديه، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وقوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] فيه الإرشاد والإعلام بهذا القرب".
وقال ابن القيم في مختصر الصواعق (3/ 1251): "إنّ قربَ الربّ تعالى إنما ورد خاصًا لا عامًا وهو نوعان: قربه من داعيه بالإجابة ومن مطيعه بالإثابة، ولم يجئ القرب كما جاءت المعية خاصة وعامة، فليس في القرآن ولا في السنة أن الله قريب من كل أحد وأنه قريب من الكافر والفاجر
…
".
وقرب الله تعالى من عباده الصالحين لا ينافي علوه عليهم، فصفات الله عز وجل لا =