المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: كل ميسر لما خلق له - الآثار الواردة عن السلف في العقيدة من خلال كتب المسائل المروية عن الإمام أحمد - جـ ١

[أسعد بن فتحي الزعتري]

فهرس الكتاب

- ‌المقدِّمة

- ‌أسباب اختيار الموضوع:

- ‌أهمية الموضوع:

- ‌خطة البحث:

- ‌منهج البحث

- ‌شكر وتقدير

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأولتعريفات عامة

- ‌المطلب الأول تعريف الأثر لغة واصطلاحًا

- ‌أ - تعريف الأثر لغة:

- ‌ب - تعريف الأثر اصطلاحًا:

- ‌المطلب الثاني تعريف السلف لغة واصطلاحًا

- ‌أ - تعريف السلف لغة:

- ‌ب - تعريف السلف اصطلاحًا:

- ‌المطلب الثالث تعريف العقيدة لغة واصطلاحًا

- ‌أ - تعريف العقيدة لغة:

- ‌ب - العقيدة اصطلاحًا:

- ‌المبحث الثاني:التعريف بكتب المسائل المروية عن الإمام أحمد ورواتها

- ‌المطلب الأول التعريف بكتاب: المسائل المروية عن الإمام أحمد برواية أبي داود السجستاني صاحب السنن

- ‌المسألة الأولى: ترجمة مختصرة لأبي داود السجستاني:

- ‌طلبه للعلم وذِكْرُ بعض مَن سمع منهم:

- ‌بعض تلاميذه:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌بعض مؤلفاته:

- ‌وفاته:

- ‌المسألة الثانية: نبذة مختصرة حول كتابه المسائل:

- ‌منهج أبي داود في مسائله:

- ‌المطلب الثاني التعريف بكتاب: المسائل المروية عن الإمام أحمد برواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابوري

- ‌المسألة الأولى: ترجمة مختصرة للإمام إسحاق بن إبراهيم بن هانئ:

- ‌اسمه ونسبه ومولده:

- ‌شيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌ثناء العلماء عليه ووفاته:

- ‌المسألة الثانية: تعريف موجز بمسائل ابن هانئ:

- ‌منهجه في كتاب المسائل:

- ‌المطلب الثالث التعريف بكتاب: المسائل المروية عن الإمام أحمد برواية إسحاق بن منصور الكوسج

- ‌المسألة الأولى: ترجمة إسحاق بن منصور:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌بعض شيوخه:

- ‌بعض تلاميذه:

- ‌مؤلفاته:

- ‌وفاته:

- ‌المسألة الثانية: التعريف بمسائل إسحاق بن منصور

- ‌منهج إسحاق بن منصور في مسائله:

- ‌المطلب الرابع التعريف بكتاب المسائل المروية عن الإمام أحمد برواية حرب بن إسماعيل الكرماني

- ‌المسألة الأولى: ترجمة حرب الكرماني:

- ‌اسمه ونسبه وولادته:

- ‌طلبه للعلم:

- ‌ذكر بعض شيوخه:

- ‌بعض تلاميذه:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌مؤلفاته:

- ‌وفاته:

- ‌المسألة الثانية: التعريف بمسائل حرب الكرماني

- ‌منهج الإمام حرب الكرماني في مسائله:

- ‌المطلب الخامس التعريف بكتاب: المسائل المروية عن الإمام أحمد برواية ابنه صالح

- ‌المسألة الأولى: ترجمة صالح بن أحمد:

- ‌اسمه وكنيته وولادته:

- ‌طلبه للعلم:

- ‌بعض شيوخ صالح غير الإمام أحمد:

- ‌مصنفاته ومروياته:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌وفاته:

- ‌المسألة الثانية: التعريف بكتابه المسائل:

- ‌منهج صالح في مسائله:

- ‌المطلب السادس التعريف بكتاب: المسائل المروية عن الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله

- ‌المسألة الأولى: ترجمة الإمام عبد الله بن أحمد:

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌ولادته ونشأته:

- ‌طلبه للعلم:

- ‌بعض شيوخه:

- ‌بعض تلاميذه:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌مروياته ومؤلفاته

- ‌أولا: مروياته:

- ‌ثانيا: مؤلفاته

- ‌وفاته:

- ‌المسألة الثانية: التعريف بمسائله

- ‌قيمة هذه المسائل العلمية:

- ‌ميزة مسائل عبد الله:

- ‌منهج الإمام عبد الله في مسائله:

- ‌الباب الأول:الآثار الواردة من السلف في التوحيد والقَدَر ومباحث الإيمان

- ‌الفصل الأول:الآثار الواردة عن السلف في مسائل التوحيد

- ‌المبحث الأول:الآثار الواردة في توحيد الربوبية والألوهية

- ‌المطلب الأول: في توحيد الربوبية

- ‌المسألة الأولى: ما جاء في خلق السموات والأرض

- ‌المسألة الثانية: ما جاء في خلق الشمس والقمر

- ‌المسألة الثالثة: ما جاء في أخنع اسم عند اللّه يوم القيامة

- ‌المطلب الثاني: الآثار الواردة في توحيد الألوهية

- ‌المسألة الأولى: ما جاء في الإخلاص

- ‌المسألة الثانية: ما جاء في التسبيح

- ‌المسألة الثالثة: ما جاء في الاستشفاء بالقرآن

- ‌المسألة الرابعة: ما جاء في التمائم

- ‌المسألة الخامسة: ما جاء في قتل السحرة

- ‌المسألة السادسة: ما جاء في النهي عن الذبح لغير اللّه

- ‌المسألة السابعة: الحكم فيمن سبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌المسألة الثامنة: ما جاء في النهي عن قول "ما شاء الله وشئت

- ‌المسألة التاسعة: ما جاء في قول الرجل "لعمري

- ‌المسألة العاشرة: ما جاء في الطيرة

- ‌المسألة الحادية عشرة: النهي عن سب الرِّيح

- ‌المسألة الثانية عشرة: ما جاء في التصاوير

- ‌المبحث الثاني:الآثار الواردة في توحيدالأسماء والصفات

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: ما جاء فى بعض أسماء الله وصفاته

- ‌المطلب الثاني: صفة الوجه لله تعالى

- ‌المطلب الثالث: صفة اليدين لله تعالى

- ‌المطلب الرابع: صفة الأصابع لله تعالى

- ‌المطلب الخامس: صفة القدم لله تعالى

- ‌المطلب السادس: صفة العين لله تعالى

- ‌المطلب السابع: صفة السمع لله تعالى

- ‌المطلب الثامن: صفة العلم لله تعالى

- ‌المطلب التاسع: صفة المغفرة لله تعالى

- ‌المطلب العاشر: صفة المقت لله تعالى

- ‌المطلب الحادي عشر: هل يقال أن لله تعالى حدًا

- ‌المطلب الثاني عشر: صفة القرب لله تعالى

- ‌المطلب الثالث عشر: صفة العلو لله تعالى

- ‌المطلب الرابع عشر: ما جاء في الاستواء

- ‌المطلب الخامس عشر: ما جاء في العرش

- ‌المطلب السادس عشر: صفة النزول لله تعالى

- ‌المطلب السابع عشر: صفة المعية

- ‌المطلب الثامن عشر: ما جاء في الحُجُب

- ‌المطلب التاسع عشر ما جاء في إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة

- ‌المطلب العشرون: ما جاء في الصورة

- ‌المبحث الثالث: الآثار الواردة في القرآن، وأنه كلام الله غير مخلوق

- ‌المطلب الأول قول السلف في القرآن أنه كلام الله غير مخلوق

- ‌المسألة الأولى: ما جاء في إثبات صفة الكلام لله تعالى

- ‌المسألة الثانية: القرآن كلام الله غير مخلوق

- ‌المطلب الثاني: قول السلف فيمن زعم أن القرآن مخلوق

- ‌المسألة الأولى: ذمهم لمن قال بخلق القرآن

- ‌المسألة الثانية: ذم السلف لمن وقف في القرآن

- ‌المسألة الثالثة: ذم السلف لمن قال باللفظ

- ‌الفصل الثاني:الآثار الواردة عن السلف في القدر

- ‌المبحث الأول: قول السلف في القدر

- ‌المطلب الأول: ما جاء في إثبات القدر

- ‌المطلب الثاني: ما جاء في القلم وكتابه المقادير

- ‌المطلب الثالث: كلٌ ميسر لما خلق له

- ‌المبحث الثاني: ذم السلف للقدرية

- ‌الفصل الثالث:الآثار الواردة عن السلف في مباحث الإيمان

- ‌المبحث الأول:الآثار الواردة في أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص

- ‌المطلب الأول: ما جاء في مسمى الإيمان

- ‌المطلب الثاني: العلاقة بين الإيمان والإسلام

- ‌المطلب الثالث: ما جاء في زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المبحث الثاني:الآثار الواردة في الاستتثناء في الإيمان

- ‌المطلب الأول: قول السلف فى الاستثناء في الإيمان

- ‌المطلب الثاني: حكم سؤال الرجل غيره أمؤمن أنت

- ‌المطلب الثالث: الأسماء والأحكام

- ‌المبحث الثالث:الآثار الواردة في الإرجاء

- ‌المطلب الأول: حقيقة مذهب الإرجاء

- ‌المطلب الثاني: تحذير السلف من المرجئة

- ‌الباب الثاني:الآثار الواردة عن السلف في الصحابةوالخلافة والإمامة وفي الاتباع

- ‌الفصل الأول:الأثار الواردة عن السلف في الصحابة

- ‌المبحث الأول: ما جاء في مدح الصحابة وذكر محاسنهم

- ‌المبحث الثاني: التحذير من الطعن في الصحابة وسبِّهم

الفصل: ‌المطلب الثالث: كل ميسر لما خلق له

‌المطلب الثالث: كلٌ ميسر لما خلق له

176 -

حدثنا عثمان بن سلام الأهوازي، قال: حدثنا صفوان بن عيسى، عن عزرة بن ثابت، عن يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يعمر، عن أبي الأسود الديلي

(1)

قال: غدوت على عمران بن حصين

(2)

يوما من الأيام فقال لي عمران: يا أبا الأسود أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه أشيء قُضي عليهم ومضى عليهم في قدر قد سبق، أو

= قال: وعرشه على الماء". رواه مسلم (2643).

فجميع هذه النصوص تدل على أن ما من شيء في هذا الكون إلا يعلمه الله وهو مكتوب عنده في اللوح المحفوظ في الأزل.

(1)

أبو الأسود الدِيلي، ويقال الدُؤَلي البصري، اسمه ظالم بن عمرو بن سفيان، ويقال: عمرو بن ظالم، ويقال: بالتصغير فيهما، ويقال عمرو بن عثمان، أو عثمان ابن عمرو، ثقة، فاضل، مخضرم، مات سنة (69). تهذيب التهذيب (4/ 481)، والتقريب (ص 546).

(2)

عمران بن حصين بن عبيد بن خلف الخزاعي، أبو نُجَيد، أسلم عام خيبر، وصحب، وكان فاضلا، وغزا عدة غزوات، وكان صاحب راية خزاعة يوم الفتح، مات سنة (52) بالبصرة. الإصابة (4/ 705)، والتقريب (ص 365 - 366).

ص: 352

شيء فيما يستقبلون مما أراهم نبيهم صلى الله عليه وسلم، واتخذت به عليهم الحجة؟ قال:

قلت: بل شيء قضي عليهم. قال: فقال عمران: فهل يكون ذلك ظلمًا؟ قال: ففزعت من ذلك فزعًا شديدًا، ثم ؤلت: إنه ليس شيء إلا خَلْق الله ومُلك يده {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23]، قال عمران: سدد الله

(1)

، والله ما سألتك إلا لأحزر عقلك، إن رجلا من مزينة أو جهينة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه أشيء قُضي عليهم ومضى عليهم في قدر قد سبق، أو في ما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم واتخذت به الحجة عليهم؟ قال:"بل شيء قضي عليهم ومضي، عليهم "قالوا: يا رسول الله فلما العمل إذًا "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من، كان الله خلقه لواحدة من المنزلتين يهيئه الله لعملها، وتصديق ذلك و، كتاب الله {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 7 - 8]

(2)

.

(1)

كذا في المخطوط. وجاء عند اللالكائي وابن بطة "سددك الله".

(2)

مسائل الإمام أحمد برواية حرب الكرماني (ص 381 - 382).

الإسناد فيه: عثمان بن سلام الأهوازي: لم أقف له على ترجمة، وبقية رجاله ثقات.

ص: 353

177 -

حدثنا سعيد بن منصور قال: ثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب

(1)

في قوله {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} [الصفات: 162 - 163] قال: مما أنتم بمصلين أحدًا إلا من كتبتُ عليه أنه من أهل الجحيم

(2)

.

178 -

قال حرب الكرماني فيما ينقله عن مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها: وعِلمُ الله ماضٍ في خلقه

= وأخرجه مسلم في صحيحه (كتاب القدر، باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته، ح 2650) عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي عن عثمان بن عمر عن عزرة بن ثابت به، وأخرجه اللالكائي في شرح الاعتقاد (953)، وابن بطة في الإبانة -القسم الثاني- (1/ 325 - 326)، والفريابي في القدر (ص 114) وغيرهم.

(1)

تقدمت ترجمته في الأثر (169).

(2)

مسائل الإمام أحمد برواية حرب الكرماني (ص 388).

إسناده ضعيف: لضعف أبي معشر واسمه: نجيح بن عبد الرحمن، قال ابن حجر في التقريب (ص 491):"ضعيف أسن واختلط".

ولم أقف على من أخرج هذا الأثر. وقد جاء بنحوه عن ابن عباس. انظر الدر المنثور (12/ 485).

ص: 354

بمشيئة منه، قد عَلِمَ من إبليس ومن غيره ممن عصاه -[من لدن أن]

(1)

عُصي ربنا تبارك وتعالى إلى أن تقوم الساعة- المعصية وخلقهم لها. وعَلم الطاعة من أهل طاعته وخلقهم لها، فكل يعمل بما يخلق له، وصائر إلى ما قضى عليه، وعلم منه، لا يعدو أحد منهم قدر الله ومشيئته، والله الفعال لما يريد

(2)

.

(1)

ساقط من المطبوع، وقد أضفتها من المخطوط ل (171/ أ).

(2)

مسائل الإمام أحمد برواية حرب الكرماني (ص 355).

التعليق: كل نفس قدر الله عليها قبل أن تُخلق إما من أهل السعادة وإما من أهل الشقاوة، وليس هذا ظلم من الله تعالى، فالله منزه عن الظلم، لا يظلم أحدا مثقال ذرة، فكل شيء بعلم الله وقدرته.

فإن حصل نوع لبس في فهم ذلك، فيكون الجواب:

أولًا: كما قال أبو الأسود الدؤلي رحمه الله: "إنه ليس شيء إلا خَلْق الله وملك يده لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون".

ثانيًا: أن الله جعل كُلًا ميسّر لما خلق له، قال تعالى:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل].

وعن علي رضي الله عنه قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد، وقعدنا حوله، ومعه مخِصرة، فنكس فجعل ينكت بمخصرته، ثم قال: ما منكم =

ص: 355

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= من أحد، وما من نفس منفوسة إلا كُتب مكانها من الجنة والنار، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة. قال رجل: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل، فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، ومن كان منا من أهل الشقاوة، فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة؟ قال: أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاء. ثم قرأ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 5 - 6] الآية. رواه البخاري (4948)، ومسلم (2647).

قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (8/ 68 - 69): "فبين النبي صلى الله عليه وسلم-أن الله علم أهل الجنة من أهل النار، وأنه كتب ذلك، ونهاهم أن يتكلوا على هذا الكتاب ويدعوا العمل كما يفعله الملحدون، وقال "كل ميسر لما خلق له"، وإن أهل السعادة ميسرون لعمل أهل السعادة، وأهل الشقاوة ميسرون لعمل أهل الشقاوة، وهذا من أحسن ما يكون من البيان. وذلك أن الله سبحانه وتعالى يعلم الأمور على ما هي عليه، وهو قد جعل للأشياء أسبابا تكون بها، فيعلم أنها تكون بتلك الأسباب، كما يعلم أن هذا يولد له بأن يطأ امرأة فيحبلها، فلو قال هذا: إذا علم الله أنه يولد لي فلا حاجة إلى الوطء، كان أحمق؛ لأن الله علم أن سيكون بما يقدره من الوطء، وكذلك إذا علم أن هذا ينبت له الزرع بما يسقيه من الماء ويبذره من الحب. فلو قال: إذا علم أن سيكون فلا حاجة إلى البذر، كان جاهلا ضالا؛ لأن الله علم أن سيكون بذلك. وكذلك إذا علم الله أن هذا يشبع بالأكل، وهذا يروي بالشرب، وهذا يموت بالقتل، فلابد من الأسباب التى علم الله أن =

ص: 356

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= هذه الأمور تكون بها. وكذلك إذا علم أن هذا يكون سعيدا في الآخرة، وهذا شقيا في الآخرة، قلنا: ذلك لأنه يعمل بعمل الأشقياء، فالله علم أنه يشقى بهذا العمل، فلو قيل: هو شقي، وإن لم يعمل كان باطلا؛ لأن الله لا يدخل النار أحدا إلا بذنبه كما قال تعالى {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85)} [ص: 85] فأقسم أنه يملؤها من إبليس وأتباعه، ومن اتبع إبليس فقد عصى الله تعالى، ولا يعاقب الله العبد على ما علم أنه يعمله حتى يعمله".

ثالثًا: أن الله تعالى له الحجة البالغة على خلقه. قال تعالى: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149)} [الأنعام: 149].

قال ابن كثير في تفسيره (3/ 358): "أي له الحكمة التامة والحجة البالغة في هداية من هدى وإضلال من أضل {فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}، وكل ذلك بقدرته ومشيئته واختياره، وهو مع ذلك يرضى عن المؤمنين ويبغض الكافرين".

رابعًا: أن القدر سر الله في خلقه لا يجوز المراء فيه ولا السؤال عنه.

قال الإمام الطحاوي في عقيدته (ص 39): "وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل، والتعمق، والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسلم الحرمان، ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظرًا وفكرا ووسوسة، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال الله تعالى في كتابه: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)} [الأنبياء: 23] فمن سأل: لِمَ فعل؟ فقد رد حكم الكتاب ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين".

ص: 357

المبحث الثاني:

ذم السلف للقدرية

ص: 359