الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية: ما جاء في خلق الشمس والقمر
5 -
حدثنا صالح، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عبد اللّه بن واقد، عن سعيد بن أبي أيوب، عن عقيل، عن ابن شهاب
(1)
قال: الشمس والقمر ثوران عقيران
(2)
، من نار خلقا، وإلى النار يصيران
(3)
.
(1)
هو محمد بن مسلم بن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن شهاب بن عبد اللّه بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري، أبو بكر المدني، الفقيه، الحافظ، متفق على جلالته وإتقانه، مات سنة (125)، وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين. السير (5/ 326)، وتهذيب التهذيب (3/ 698).
(2)
من العقر، وهو ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف وهو قائم. النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 271)، وانظر نفس المصدر (3/ 276).
(3)
مسائل الإمام أحمد برواية ابنه صالح (2/ 69 - رقم 616).
إسناد هذا الأثر ضعيف، لضعف عبد اللّه بن واقد، وهو أبو قتادة الحراني، متروك. انظر: الجرح والتعديل (5/ 191)، والتاريخ الكبير (5/ 219)، والتقريب (ص 270).
لكن له شواهد يتقوى بها، منها ما أخرج أبو داود الطيالسي في مسنده (ح 2103)، وأبو الشيخ في العظمة (4/ 1159) كلاهما عن يزيد بن أبان الرقاشي عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا نحوه. ويزيد قال فيه ابن سعد: كان ضعيفًا قدريًا. الطبقات (7/ 245)، وقال البخاري: كان شعبة يتكلم فيه. =
6 -
حدثنا صالح، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عبد الملك بن عمرو، قال: حدثنا عبد الجليل، عن شهر
(1)
، قال: بينا الناس عند عبد اللّه بن عمرو رضي الله عنه
(2)
يستفتونه، فقال كعب
(3)
: هلك أخي، هكذا
= التاريخ الكبير (8/ 320)، وأخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (1/ 66 - 67) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم: 124)، وانظر للمزيد: الفوائد المجموعة للشوكاني (ص 459). وأخرجه البخاري في صحيحه (3200) عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: "الشمس والقمر مكوران يوم القيامة".
(1)
شهر بن حوشب الأشعري الشامي، مولى الصحابية أسماء بنت يزيد بن السكن، كان من كبار علماء التابعين، صدوق كثير الإرسال والأوهام، مات سنة (112). السير (4/ 372)، والتقريب (ص 210).
(2)
عبد اللّه بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي القرشي السهمي يكنى أبا محمد. وقيل: يكنى أبا عبد الرحمن، أحد السابقين المكثرين من الصحابة وأحد العبادلة الفقهاء، أسلم قبل أبيه، وكان فاضلا حافظا عالما قرأ الكتاب، واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في أن يكتب حديثه فأذن له، وكان مجتهدا في العبادة غزير العلم. مات سنة (65). الاستيعاب (3/ 956 - 959)، والإصابة (4/ 192)، والتقريب (ص 257).
(3)
كعب بن ماتع، وهو كعب الأحبار يكنى أبا إسحاق. أدرك عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، =
تكون الفتن، اذهب إليه فقل له: لا تكذبن على اللّه، فإن غضب: فدعه، وإن لم يغضب فاسأله. فأتاه فقال له: يقول لك كعب لا تكذبن على اللّه، فقال نصح لي أخي، فإنه من كذب على اللّه سوّد اللّه وجهه يوم القيامة. قال إني أسألك عن الشمس والقمر، أفي السموات السبع هما أم في سماء الدنيا، أم في الهواء، أم دون ذلك؟ قال: بل هما في السموات السبع، ووجوههما إلى العرش، وأقفيتهما إلى الأرض. قال اللّه:{وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16)} [نوح: 16]. قال: فإنه يسألك عن الرعد فما هو؟ قال ملَك يزجر السحاب بالتسبيح كما يزجر الحادي الحثيث الإبل، إذا اشتدت سحابة ضمها، لو يفضي إلى الأرض صعق من يبصره. قال: فإنه يسألك عن البرق ما هو؟ قال: هو من كذا وكذا من البرد. قال عبد الملك أحسبه قال: مِن اصطفاق البرد في السماء. قال اللّه: {مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ
= كان إسلامه في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان على دين يهود فأسلم وقدم المدينة ثم خرج إلى الشام فسكن حمص حتى توفي بها سنة (32) في خلافة عثمان رضي الله عنه. أسد الغابة في معرفة الصحابة (4/ 187)، والتهذيب (3/ 471).
سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43)} [النور: 43]. قال فإنه يسألك أين تلتقي أرواح أهل الجنة وأرواح أهل النار؟ قال: أما أرواح أهل الجنة، فتلتقي بالجابية
(1)
، وأما أرواح أهل النار، فبحضر موت
(2)
. قال فإنه يسألك عن الحشر ما هو؟ قال: نار تزوي الناس، تظهر من قبل المشرق
(3)
.
(1)
الجابية: بكسر الباء وياء مخففة وأصله في اللغة: الحوض الذي يجبى فيه الماء للإبل، وهي قرية من أعمال دمشق ثم من عمل الجيدور من ناحية الجولان، قرب مرج الصفر في شمالي حوران. معجم البلدان (2/ 91 - 92).
(2)
حضرموت: بالفتح ثم السكون وفتح الراء والميم اسمان مركبان، ناحية واسعة في شرقي عدن بقرب البحر وحولها رمال كثيرة تعرف بالأحقاف. معجم البلدان (2/ 269). وهي تقع الآن في جمهورية اليمن.
(3)
مسائل الإمام أحمد برواية ابنه صالح (2/ 61 - رقم 611).
الإسناد فيه: عبد الجليل، وهو ابن عطية القيسي، أبو صالح البصري: صدوق يهم. التقريب (ص 274)، وشهر بن حوشب كثير الإرسال والأوهام تقدم. فيكون الأثر بهذا الإسناد ضعيفًا.
وأخرجه مختصرًا: أبو الشيخ في العظمة (4/ 1286) عن عبد الجليل به، وعبد الرزاق في تفسيره (3/ 319)، وابن جرير في تفسيره (23/ 300) كلاهما من طريق معمر عن قتادة عن عبد اللّه بن عمرو.
قلت: وقتادة لم يسمع من عبد اللّه بن عمرو. انظر تهذيب التهذيب (3/ 430). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= التعليق: توحيد الربوبية: هو إفراد اللّه تعالى بالخلق والملك والتدبير، بأن يعتقد أنه لا خالق إلا اللّه تعالى، قال تعالى:{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]، وقال تعالى:{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [فاطر: 3]، وأن يعتقد بأنه لا مالك لهذا الكون إلا اللّه، قال تعالى:{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 189]، وقال تعالى:{قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} [المؤمنون: 88]، وأن يعتقد أنه لا مدبر للعالم إلا الله، كما قال تعالى:{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31)} [يونس: 31]، وقال تعالى {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ} [السجدة: 5]، وهو مركوز في الفطرة لا يكاد أحد ينازع فيه، حتى إن المشركين الذين بُعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقرون بهذا التوحيد ولا ينكرونه، ولا يشركون مع اللّه أحدًا في ربوبيته. قال تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61)} [العنكبوت: 61]، فلم يجحد أحد من المخلوقين هذا النوع من التوحيد، ولم يجعل أحد لهذا الكون خالقين متساويين في الصفات والأفعال، حتى المجوس الذين يعتقدون أن للكون خالقين هما النور والظلمة، لم يجعلوهما متساويين في الصفات، فإله النور خير من إله الظلمة، لأنه يخلق الخير، والظلمة تخلق الشر، وكذلك النصارى الذين يجعلون الآلهة ثلاثة الأب والابن والروح القدس، لم يجعلوها =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= متساوية، فالأب عندهم هو الأصل والمبدأ لهما. انظر: شرح الطحاوية (ص 29 - 30)، ومجموع الفتاوى (10/ 264)، والقول المفيد على كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عثيمين (1/ 9 - 13)، ودعوة التوحيد للشيخ محمد خليل هراس (ص 27 - 28).
والاستدلال بالكون وما فيه من عجائب المخلوقات على توحيد الربوبية، الذي هو مستلزم لإفراد اللّه تعالى بالعبادة، أمر دعا إليه اللّه عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم. قال اللّه تعالى:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)} [البقرة: 164]. وقال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)} [فصلت: 53]. وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [العنكبوت: 19 - 20]. والآيات في ذلك كثيرة جدًا.
وجاء في السنة المطهرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تفكروا في آلاء اللّه ولا تفكروا في اللّه". أخرجه أبو الشيخ في العظمة (1/ 210)، والطبراني في الأوسط (6/ 250)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (رقم: 2975).
وهذه الآثار التي ذكرناها فيها إثبات ربوبية اللّه تعالى، والتي تدعو إلى التأمل =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= والتفكر في آلائه وعجائب مخلوقاته الدالة على توحده بالربوبية والإلهية.
قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية (ص 222 - 223): "فإن توحيد الربوبية لا يحتاج إلى دليل، فإنه مركوز في الفطر، وأقرب ما ينظر فيه المرء أمر نفسه لما كان نطفة، وقد خرج من بين الصلب والترائب، والترائب: عظام الصدر، ثم صارت تلك النطفة في قرار مكين، في ظلمات ثلاث، وانقطع عنها تدبير الأبوين وسائر الخلائق، ولو كانت موضوعة على لوح أو طبق، واجتمع حكماء العالم على أن يصوروا منها شيئا لم يقدروا. ومحال توهم عمل الطبائع فيها، لأنها موات عاجزة، ولا توصف بحياة، ولن يتأتى من الموات فعل وتدبير، فإذا تفكر في ذلك وانتقال هذه النطفة من حال إلى حال، علم بذلك توحيد الربوبية، فانتقل منه إلى توحيد الإلهية. فإنه إذا علم بالعقل أن له ربا أوجده، كيف يليق به أن يعبد غيره؟ وكلما تفكر وتدبر ازداد يقينا وتوحيدا".
وقال ابن القيم: "فتأمَّلْ آيات اللّه التي دعا عباده إلى التفكر فيها، وجعلها آياتٍ دالةً على كمال قدرته، وعِلةً في مشيئته وحكمته وملكه، وعلى توحُّده بالربوبية والإلهية، ثم وازن بينهما وبين ما أخبر به من أمر الآخرة والجنة والنار، تجد هذه أدلَّ شيء على تلك، شاهدة لها، وتجدهما من مشكاة واحدة، وربٍّ واحد، وخالق واحد، وملكٍ واحد، فبُعدا لقوم لا يؤمنون". حادي الأرواح (1/ 410).
وانظر: مفتاح دار السعادة (2/ 5)، ودرء تعارض العقل والنقل (3/ 393).