الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بأنفسهم من عز الإيمان وعلاه، وتضييع لما أعده الله للمؤمنين المجاهدين من عظيم الثواب القيم.
ويشتد الخطاب عليهم بسبب تثاقلهم إلى الأرض عن الخروج للجهاد في سبيل الله إلى أن يكون تهديداً بأنَّهم إلا ينفروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعذبهم الله عذاباً أليماً موجعاً، وذلك بسبب تركهم النفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستبدل بهم قوماً غيرهم يطيعون الله ورسوله، فينفرون إذا استنفروا، ويجيبون إذا دعوا، ثم لا يكونوا أمثالهم.
* * *
(تهديد المتقاعسين عن الخروج إلى غزوة تبوك)
ولما كان عدم النفر تقاعساً عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم -وقد رد الله عليهم بأن أبى اعتذارهم بما احتف بهم من شدة الحر وقلة الزاد، وندرة المركب، ونضج الثمر، وبُعد السفر - بيّن السياق القرآني أنه تعالى لا حاجة به إليهم لأنه هو الغني عنهم، وهم الفقراء إليه، كما لا حاجة لدينه ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم بهم أيضاً. فهم إن تخلفوا اليوم عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدم الإستجابة للنفر في غزوة تبوك إذ استنفرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد نصر الله دينه ونصر رسوله صلى الله عليه وسلم إذ كان وحده من أول بعثته إلى هجرته التي ظهر فيها آثار نصر الله له بإنزال السكينة عليه هو وصاحبه وليس معهما أحد، وهما متبوعان مطلوبان، إذ رأى حزن صاحبه وخوفه عليه، إذ كان الطلب قد وصل إلى مكان لو نظر أحدهم إلى موطئ قدمه لرآهما فقال لصاحبه يثبته ويطمئنه (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا) فهذا نصر مؤزر لم يكونوا فيه، ولا كان أحد فيه معه سوى صاحبه، إذ أيده الله بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفررا السفلى إذ خيبهم، وخذلهم بنصره لرسوله وتأييده له وذلك إعلاء لكلمة الله والله عزيز لا يغالب، حكيم يضع الأمور في مواضعها.
وهذا كله بيان إجمالي لمعنى قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)).
ويقفي السياق القرآني على ذلك بالأمر بالنفر العام الذي يوجب الجهاد في سبيل الله على كل فرد من أفراد المسلمين إذ لا يعذر فيه أحد بشيخوخة، ولا فقر، ولا مرض فقال الله تعالى:(انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41)) فكأنه فتح لباب التوبة لهم، وترغيب لمراجعة قوة الإيمان، وصدق العزيمة في متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في جهاده، وتحملهم المشاق ورضائهم بما ينالهم من متاعب الدنيا إيمانا بالله وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم وجهاداً في سبيله، وإعلاماً لهم بما ينتظرهم من جهد ومشقة في هذه الغزوة التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عادته الشريفة، إذ كان إذا أراد أن يغزو قوماً وَرَّى عنهم، ولم يصرح، ولكنه في هذه الغزوة بيّن وجهته، وأعلن قصده