الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم عقب هذه الآية (وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ. . .) الآية بما هو كالبيان لها فقال (إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36)). أي أنك في حرصك الشديد على إيمانهم لا تستطيع منعهم عن هذا الإعراض الذي أحزنك ولا أن تحصل على آية تجذبهم إلى الإيمان بدعوتك لأن الاستجابة لا تكون إلا ممن يسمعون ما يلقى عليهم سماع تدبر وانتفاع وهؤلاء المعرضون عن الإيمان بما جئتهم به وإن كانوا في ظاهر الحال في صور الأحياء إلا أنهم بمنزلة الموتى " فآيس من هؤلاء أن يستجيبوا لك ".
وقد سبق أن أشرنا إلى وجه العتاب في هذه الآية، وبينا أنها من عتاب التحذير باعتبار أن فيها شيئاً من شدة الأسلوب وصرامته وإن كانت فيما عوتب عليه النبي من من شدة حرصه على إيمانهم أقرب إلى عتاب التوجيه منها إلا عتاب التحذير.
* * *
(الرد على المستهينين بالفقراء من المؤمنين)
ومما يدخل في هذا النوع من العتاب أيضاً قوله تعالى في سورة الأنعام (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)).
وقد جاءت هذه الآية الكريمة في سياق بيّن الله تعالى فيه مهمة الرسل، وأنها تبشير عباد الله المؤمنين بالخير، وإنذار الكافرين بالله النقمات والعقوبات الدنيوية والأخروية، وأن الناس أمام مهمة الرسل إما مؤمن موعود بالأمن والأجر العظيم، وإما مكذبون بآيات الله ينالهم العذاب الشديد بكفرهم بالله وما جاءتهم به الرسل من الله تعالى، وفسوقهم عن أوامر الله وخروجهم عن طاعته وارتكاب محارمه.
وبعد أن بيّن الله تعالى أن مقترحاهم المتعنتة إنما كانت على سبيل العناد والصلف والاستهزاء والمكابرة، بيّن لرسوله صلى الله عليه وسلم مهمته إزاء هذه الآيات، وأنه لا يستطيعها ولا يملكها، شأنه في ذلك شأن إخوانه الرسل من قبله، ومثل لذلك بثلاثة أمور نفاها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبر بها هؤلاء الجاحدين وهى:
أولاً - أن خزائن الله تعالى التي يطلبون الثراء منها ليست عنده ولا في ملكه ولا في استطاعته.
ِثانياً - أنه نفى علم الغيب عنه فهو لا يعلم منه إلا ما أطلعه الله عليه.
ثالثاً - أنه لا يقول لهم إنه ليس بشراً، ولا يدعي الملكية فيقدر على ما لا يقدر عليه البشر، وإنما شرفه الله بالوحي إليه وأنعم به عليه فهو متبع لما أوحي إليه ولا يخرج عنه.
ثم بيّن أنَّهم إن اتبعوا هدايته كانوا مبصرين للحق، وإن تولوا وأعرضوا كانوا عمياً عن الحق وهدايته، ووبخهم على عدم تفكرهم ونظرهم فيما جاءهم به من الآيات فقال (أَفلَا تَتفَكَّرُونَ).
ثم بيّن أن الإنذار بالقرآن وبما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يفيد الذين يُقرّون بالبعث ويخافون أن يحشروا إلى ربهم وهؤلاء هم المؤمنون، ولا يضرهم فقرهم ولا ضعف منزلتهم في الدنيا، لأنهم سموا بأنفسهم فآمنوا واهتدوا وانقطعوا إلى الله تعالى متبتلين في محاريب دعائه غدوة وعشية لا يريدون بذلك إلا وجهه ولا يتطلعون إلى شيء من الدنيا وزخارفها، وهذا هو قول الله تعالى:(وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) ثم قال تعالى: (مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ).
أي أن هؤلاء الصفوة لم يُحمِّلوك شيئاً من أمرهم فلا أنت ترزقهم ولا أنت تحصي عليهم أعمالهم فتجازيهم عليها وإنما أمرهم إلى الله.
فهؤلاء الصفوة لم يطلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً يشق عليه وهم أخلص الناس في مودته وأسعدهم بعلو دعوته وهو بهم رءوف رحيم.
(وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) أي أن هؤلاء الصفوة لا يتحملون شيئاً من أمرك وتصرفاتك ونشر دعوتك، وتبليغ رسالتك، لأنهم متبعون لأمرك وهديك.
ثم فرع على ذلك تأكيداً لتأسي الأمة به صلى الله عليه وسلم ووجوب إتباعها له ووقوفها عند أمره فقال (فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) أي إن فعلت ذلك اقتدت بك أمتك وتابعتك عليه، وهو ظلم أنت أبعد الناس عنه، ولتكن قدوة أمتك بك أن تكون على منهجك وحالك فلا يطرد الضعفاء والمساكين من المؤمنين من أجل تقريب الكبراء المترفين من غير المؤمنين