الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ثانية آيات هذا النوع من العتاب)
وثانية آيات هذا النوع من العتاب: -بحسب ما وصل إليه بحثنا- هى قوله تعالى: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)).
وقد وردت هذه الآية الكريمة إثر أن بيّن الله تعالى حال المنافقين مع المؤمنين، وكشف الستر عنهم فإن أولئك المنافقين لم يكتفوا بما هم غارقون فيه من بخل بما أوجبه الله عليهم في أموالهم أو ندبهم إليه فيها، ولم يخجلهم شحهم بمال الله تعالى، بل تعدوا ذلك كله إلى إيذاء المؤمنين المتصدقين أغنياء وفقراء استجابة لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم بقوله:" تصدقوا فإني أريد أن أبعث بعثاً " فلمزوهم بما هم برآء منه وعابوهم على ما يبذلونه في سبيل الله تطوعاً، فتوعدهم الله تعالى بالسخرية منهم في الدنيا بأن " جعلهم سخرية للمؤمنين، والناس أجمعين بفضيحته لهم في هذه السورة " الفاضحة لأحوالهم، الحافرة عما في قلوبهم من دغل، وتوعدهم بالعذاب الأليم الذي سينزله بهم فِي الدنيا والآخرة.
قال ابن كثير في تفسيره: " هذا من باب المقابلة على سوء صنيعهم واستهزائهم بالمؤمنين، لأن الجزاء من جنس العمل فعاملهم معاملة من سخر منهم انتصاراً للمؤمنين في الدنيا وأعد للمنافقين في الآخرة عذاباً أليماً لأن الجزاء من جنس العمل ".
وقد أفزعهم هذا الوعيد الشديد، وعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر بحالهم ولمزهم للمتصدقين من المؤمنين فجاءوا إليه يعتذرون، ويطلبون أن يستعفر لهم فأنزل الله تعالى هذه الآية (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) الآية التي هي موضع البحث هنا.
وهي في سياقها -الموحي بأنها تسجيل لكفر المنافقين، وبيان لفسقهم- كشف لحال المنافقين، وإعلان لخاتمتهم الخائبة، وإيعاز لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن لا جدوى من الاستغفار لهم، ولو كثر منه ذلك لهم، فلن ينفعهم، ولن يتقبل في حقهم فيما لو استغفر لهم، وسبب ذلك كفرهم بالله ورسوله وفسقهم عن جادة الإيمان.
فالآية إخبار للرسول صلى الله عليه وسلم بحكم الله في المنافقين ليصرف النظر عنهم، وتوجيه للمؤمنين لئلا يبقى لهم تعلق بهم، وإبعاداً لأولئك المنافقين عن صفوف المؤمنين.
وضمير الجمع الغائب في قوله (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ) عائد على اللامزين الذين جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يستغفر لهم بعد أن فضحهم الله وتوعدهم بقوله (سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) وهذا هو قول ابن عباس والحسن رضي الله عنهما من أنا المنافقين اللامزين حين نزل قوله تعالى: (سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لهم فنزلت هذه الآية (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) الآية.
فلما كان مجيئهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلبهم إليه الاستغفار لهم بعد ذلك ليس عن رغبة منهم في الإيمان، ولا ندماً على ما دنسوا به أنفسهم من أوضار النفاق، والهزء بالمؤمنين، وإنما هو استمرار منهم فيما هم فيه غارقون من النفاق، وإيغال في أوحاله، ومحاولة لخديعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتضليل للمؤمنين عما تكنه قلوبهم من كفر بالله ورسوله، وفسوق عن الهدى، أخبر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بحالهم كشفاً لما كانوا يتسترون عليه من النفاق، وربأ به صلى الله عليه وسلم عن أن يستغفر لمن ليس بأهل للاستغفار وكشف الله تعالى حالهم للناس أجمعين، فقطع بذلك من نفوس المؤمنين رجاء الخير لهم حتى لا ينخدعوا بما يموهون به عليهم.
والذي دفع البحث إلى ضم هذه الآية إليه مع أن لا عتاب فيها لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو ظاهر من سياقها ولحاقها - ما وجد من روايات حديثية بأسانيد صحيحة من روايات الشيخين وغيرهما تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر لابن أبي فهماً منه صلى الله عليه وسلم من الآية التخيير بين الاستغفار وعدمه للمنافقين، وأن العدد المذكور فيها للتحديد لا للتكثير والمبالغة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم كما تقول رواية البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر - عندما أراد عمر منعه من الصلاة على ابن أبي بقوله:" يا رسول الله تصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلى عليه "، وفي رواية أخرى عند البخاري أيضاً عن ابن عمر أيضاً أن عمر قال:" تصلي عليه وهو منافق وقد نهاك الله أن تستغفر لهم "، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إنما خيرني الله أو أخبرني "