الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أدلة الجمهور على جواز اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم
-
وقد استدل الجمهور لجواز عمل الرسول صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد في الأحكام الشرعية والأمور الدينية والحروب بالكتاب والسنة والمعقول.
أما أدلتهم من الكتاب فنورد منها ما يلى:
1 -
قوله تعالى (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) ووجه الاستدلال به أن المشاورة إنما تكون فيما يحكم فيه بطريق الاجتهاد إذ لا مشاورة فيما نزل به الوحي.
ولا ريب أن الأمر بالمشاورة أمر له بالاجتهاد لاستظهار آراء من معه من المؤمنين ليختار منها باجتهاده ما يراه صلى الله عليه وسلم موافقاً للمصلحة وهذا هو الاجتهاد المطلوب.
وقول من قال إن الآية واردة في الحرب لا يمنع من ثبوت الاجتهاد له صلى الله عليه وسلم بها إذ الحروب جهاد في سبيل الله وهي أحكام شرعية فالاجتهاد فيها يقتضي جواز الاجتهاد في غيرها إذ لا فارق.
2 -
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)). ووجه الاستدلال بهذه الآية
الكريمة في موضعين: -
أولاً - أن الله تعالى أمر فيها بطاعته وطاعة رسوله، وطاعة الله تعالى إنما تكون بامتثال جميع ما نزل به وحيه على الرسول صلى الله عليه وسلم.
وطاعة الرسول عليه الصلاة والسلام إنما تكون بامتثال كل حكم يخبر به سواء كان عن وحي أو عن اجتهاد وإلا لم يكن لتخصيص الأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الأمر بطاعة الله فائدة في الذكر.
قال ابن قيم الجوزية - رحمه الله تعالى - تعليقاً على هذه الآية الكريمة في كتابه أعلام الموقعين: " أمر الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله وأعاد الفعل إعلاماً بأن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم تجب استقلالاً من غير عرض ما أمر به على الكتاب، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقاً سواء كان ما أمر به في الكتاب أو لم يكن فيه، فإنه أوتي الكتاب ومثله معه ".
وقال صاحب تفسير المنار في عرضه لهذه الآية الكريمة: ". . . إن إعادة كلمة (أطيعوا) تدل على تغاير الطاعتين كأن تجعل الأولى طاعة ما نزل الله من القرآن، والثانية طاعة الرسول فيما يأمر به باجتهاد ".
وتخصيص طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يأمر به باجتهاده لا يتم إلا بضميمة طاعته صلى الله عليه وسلم فيما أوحى إليه وحياً غير متلو إلى قوله " كأن تجعل طاعة مما نزل من القرآن. . الخ " ليكون شاملاً لجميع أنواع الوحي المتلو وغير المتلو.
ثانياً - أن الله تعالى أمر في هذه الآية الكريمة المتنازعين في شيء بالرد إلى الله وإلى الرسول. والرد إلى الله رد إلى وحيه المنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم سراء أكان متلواً -وهو القرآن الكريم- أم غير متلو وهو وحي السنة المطهرة.
والرد إلى الرسول يقتضي أن يكون الأمر المردود إليه غير داخل في الوحي وإلا لزم التكرار، والذي لا يدخل في الوحي وتجب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيه هو ما أمر به باجتهاده. وهو الاجتهاد المطلوب.
3 -
قوله تعالى (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) ووجه الاستدلال به أن الله تعالى قد سوى بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين أولي الأمر -وهم العلماء- في الاستنباط فلو لم يكن الاجتهاد جائزاً للرسول صلى الله عليه وسلم لثبت لغيره من مجتهدي أمته فضيلة ليست له وهذا ممنوع.
4 -
قوله تعالى (فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) ووجه الاستدلال به من ناحيتين:
الأولى: أن الله تعالى جعل الرسول صلى الله عليه وسلم بالخيار في الحكم بينهم فإن شاء حكم وإن شاء أعرض ولم يحكم أي أن الأمر مفوض إليه صلى الله عليه وسلم فإن رأى -باجتهاده- مصلحة وحسن قبول منهم لحكمه حكم بينهم وإلا أعرض عنهم ولا ضرر عليه منهم.
الثانية: أن تقييد أمره بالحكم بينهم (بالقسط) يشعر بزيادة تنبيهه صلى الله عليه وسلم على تحري الصواب فيما يحكم به وهو دليل على أن الله تعالى أذن له أن يحكم بينهم باجتهاده لأنه لو كان الحكم بالوحي لم يكن لهذا القيد فائدة بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم لأنه لا يحكم إلا بالقسط.
5 -
قوله تعالى (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) ووجه الاستدلال به أن الآية الكريمة أمر عام بالاعتبار لأهل البصائر، والنبي صلى الله عليه وسلم أعظم الناس بصيرة وأصوبهم رأياً وأحسنهم استنباطاً فكان داخلاً في العموم ومأموراً بالتأمل والاعتبار.
والاعتبار -عند الأصوليين- هو النظر في علة الحكم المنصوص عليه وتعديتها إلى غير المنصوص عليه للتسوية بينهما في الحكم بمقتضى هذه العلة، قال الفخر الرازي: قال المفسرون " الاعتبار هو النظر في حقائق الأشياء وجهات دلالتها ليعرف بالنظر فيها شيء آخر من جنسها "، وهذا النظر هو الاجتهاد.