الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مما يلحقه، بما تضمنه الاستثناء الذي يقضي بمطالبة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون صبره فوق كل صبر كما يشير إلى ذلك وضع " صبروا " مكان " آمنوا ".
* * *
ما يدل عليه التعبير بـ (لعل) في هذه الآية
كما صدرت بـ (لعل) الدالة على الإشفاق المتضمن لمحبة المشفِق -بكسر الفاء- للمشفَق عليه وتحذيره مما يلحقه من الرد عليه والاستهزاء به والإعراض عن دعوته، تلطفاً برسول الله صلى الله عليه وسلم في (أنه بلغ من حاله في بذل الجهد في تبليغهم مثل حال من يرجون منه أن ييأس منهم فيترك بعض ما يوحى إليه) مما فيه تسفيه لأحلامهم، وسب لآلهتهم وعيب لآبائهم.
وهذه الآية تجري في شوط آية الأعراف -التي قدمنا الحديث فيها- من جهة أن فيها ذكراً لضيق صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ضيقاً بلغ من شدته أن يكون في حالة من يتوقع منه أعداؤه أن يترك بعض ما أنزل إليه لشدة ما بذل من جهد في الأداء دون أن يثمر فيهم.
وقد استروح ناصر الدين ابن المنير في انتصافه على الكشاف بآية هود هذه على تفسير الحرج بالضيق في آية الأعراف.
كما استروح إليه الألوسي -في روح المعاني فقال- بعد أن فسر الحرج بالضيق: " ويشهد لهذا التأويل قوله تعالى: (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ. . .) الآية ".
وهذا المعنى العام يجمع بين هاتين الآيتين آية سورة الأعراف وآية سورة هود هذه.
وهذا يقتضي مكية آية سورة هود هذه خلافاً لمن زعم أنها مدنية مخالفاً بذلك رأي الجمهور، وهو الذي يتمشى مع مبنى هذه السورة كلها في أنها من قبيل إرشاد الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم إلى كيفية الدعوة من مفتتح السورة إلى مختتمها كما صرح بذلك صاحب الكشف فيما نقله عنه الألوسي فِي روح المعاني.
وقد بينا ما اختصت به آية سورة الأعراف من تعليل النهي عن ضيق الصدر بالإنذار والتذكير، أما هنا في آية سورة هود هذه فنرى ضيق الصدر معللاً بأن المشركين أرادوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتطلع إلى زخارف الدنيا ليجذب بها قلوب المدعوين إلى الله، فكانوا يقولون لولا أنزل عليه كتر ينفق منه على دعوته ويجتذب به القلوب ويستغني به هو وأصحابه في كسب الأنصار، ويشتري به النفوس، ويستهوي به القلوب.
فإلم يكن معه كنز فليكن معه ملك يشهد برسالته وصدقه في دعوته.
وقد جاءهم الرد من الله تعالى على هذا التعنت، والعناد والمكابرة بالباطل ببيان مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه في دعوته ورسالته ما هو إلا نذير الكافرين يخوفهم بطش الله تعالى وانتقامه، ويلفت نظرهم إلى ما وقع على أمثالهم من الأمم السابقة الذين أخذهم الله بذنوبهم فلم يترك لهم من باقية.