الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(إشارة إلى اختلاف العلماء في بيان الإبهام بالمراد بالكتاب الذي سبق)
أما الكتاب المذكور في قوله تعالى: (لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) فقد أدى إبهامه إلى اختلاف العلماء فيه على أقوال كثيرة أوصلها الشوكاني -في فتح القدير- إلى ستة أقوال، لعل أرجحها وأقربها إلى العقول وأولاها بالقبول هو: ألا يعذب الله أحداً إلا بعد أن يقدم إليه أمراً أو نهياً فيخالف ما قدمه الله إليه.
وهذا مروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهما وعن مجاهد رحمه الله تعالى.
ثم بيّن الله تعالى ما كان مسطوراً في غيبه من إحلال الغنيمة وتطييبها لعباده المؤمنين من هذه الأمة -وهذا كان من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم على الأنبياء كما ورد في الحديث الصحيح فيما رواه الإمامان البخاري ومسلم من قوله صلى الله عليه وسلم " وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي " فقال تعالى: تطيباً لنفوس أؤلئك المجاهدين (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69)).
وهذا يدل على أن أخذ الغنائم وأكلها كان حلالاً طيباً لا شبهة فيه ولا عتاب عليه وإنما كان العتاب على الإسراع في إنهاء الوقعة قبل الإثخان في العدو وكسر شوكته وإضعاف قوته وهو نظير ما ذكرناه في قوله تعالى: (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) في أن الإذن للمنافقين بالتخلف عن الخروج معه إلى غزوة تبوك كان صواباً بالأوجه التي ذكرناها وإنما كان العتاب على الإسراع بالإذن لهم دون التلبث الذي يكشف عن حقيقة المنافقين ليعرفهم الناس ويفضحهم الله تعالى على رءوس الأشهاد.
وتذكر بعض روايات الأحاديث وأسباب النزول أن هذه الآيات نزلت بعد مشاورة رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في أمر أسرى بدر واختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم لرأي أبي بكر ومن معه القائلين بقبول الفداء من الأسرى تقوية لجيش المسلمين على الكفار بالفداء ورجاء أن يهديهم الله تعالى للإسلام أو أن يخرج من أصلابهم بعد وقعة بدر من يؤمن بالله ويهتدي بهداه.
ومن أصح هذه الروايات ما جاء في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما فيما يرويه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال ابن عباس:" فلما أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: " ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ "، فقال أبو بكر: يا نبي الله هم بنو العم والعشيرة أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار فعسى الله أن يهديهم الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما ترى يا ابن الخطاب؟ " قلت: لا، والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم فتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه وتمكنني من فلان (نسيباً لعمر) فأضرب عنقه فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم -