الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(من جميل التلطف في الخطاب برسول الله صلى الله عليه وسلم
ولما كان في هذا الخطاب شيء من الشدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تلطف الله به وجعل إلى جانب الإنذار للمعاندين الجاحدين من الكافرين ذكرى للمؤمنين المستجيبين، فقال تعالى:(وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) فكأن إنزال الكتاب اشتمل على أمرين عظيمين:
الأمر الأول: دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوة إلى إنذار الكافرين بما ينزل إليه من الآيات.
والثاني تسليته صلى الله عليه وسلم في مقام إقدامه على التبليغ بأن الكتاب المنزل إليه ذكرى للمؤمنين يذكرهم بفضل الله وإنعامه وإحسانه إليهم بما هداهم إلى الإيمان.
أما أن هذا العتاب من قبيل (عتاب التوجيه) فلأنه قصد به نقله عليه الصلاة والسلام من حالة التهيب والتأني في التبليغ إلى حالة الدفع والإقدام على تبليغ ما أنزل إليه تقوية لعزيمته وحفزاً لإرادته على التحمل فكأن الله ْتعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم ليكن لك من قوة الإرادة وصلابة العزيمة ما يجعلك لا تبالي بهؤلاء المشركين وإيذائهم وسفاهتهم، وما يجعلك فسيح الصدر لا يضيق صدرك بما يضربونه لك من أمثال ولا بما يقولون من تكذيبك وصد عن سبيل دعوتك، وما عليك إلا أن تنذرهم بطشتنا وبأسنا لعلهم يثوبون فيزدجروا مرتدعين عن ضلالهم وكذلك لتنذر به المؤمنين الذين فتح الله قلوبهم للهداية وقبول الإيمان.
* * *
(ثانية آيات العتاب التوجيهي)
وثانية آيات العتاب التوجيهي لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسب ما وصل إليه بحثي -هي قوله تعالى- في سورة هود - (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا
أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) فقد جاءت هذه الآية الكريمة بعد أن بيّن الله تعالى حال الإنسان الذي تبطره النعمة ويضجره سلبها، بأنه إذا نزعت منه نعمة -من صحة وأمن ومال وجاه وولد وغيرها مما كان يتمتع بها- بسبب كفره بها وعدم شكره الله عليها، فإنه ييأس من روح الله تعالى، ويقطع رجاءه منه، لعتوه في كفره، وأنه إن ذاق نعماء بعد ضراء مسته نسي ما كان فيه من شدة وبؤس، فبطر وأشر بما أنعم الله عليه، فهو بذلك فخور على الناس منشغل به عن أن يقوم بحقه.
ولم ينج من هذه الصفات السيئة إلا الصابرون على الضراء متى حلت بهم إيماناً بالله واحتساباً لثوابه واستسلاماً لقضائه العاملون الصالحات فهؤلاء هم المبشرون بمغفرة من الله لذنوبهم وأجر كبير، وسيد هؤلاء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان المثل الأعلى في الصبر الجميل والصفح العظيم.
فإقامة الوصف - (صبروا) - في المستثى -وهو صلة الموصول مقام الموصوف وأصله (آمنوا) بدلاً من صبروا- ترغيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم في استدامة ما هو عليه من التذرع بجميل الصبر وقوة الاحتمال في سبيل تبليغ رسالته ونشر دعوته.
فكان ما سبق قوله تعالى (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ) الآية إعداداً وتهيئة لقبول ما جاء فيها بصدر رحب وقوة لا تقادر للنهض بتبليغ جميع ما أنزل الله إليه، ولذلك " صدرت بالفاء تفريعاً على ما سبق من الرد عليه، والاستهزاء به، تنبيهاً على سببية ذلك " في الإشفاق عليه وتحذيره