المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يلقاه من أذى المشركين) - آيات عتاب المصطفى في ضوء العصمة والإجتهاد

[عويد المطرفي]

فهرس الكتاب

- ‌خطبة الكتاب

- ‌خطر المناهج الأجنبية على المسلمين

- ‌المقدمة

- ‌من مفتريات أعداء الله ورسوله

- ‌انسياق وغفلة

- ‌أسباب كتابة هذا البحث

- ‌منهجية البحث والتناول

- ‌الباب الأولعصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

- ‌العصمة في اللغة

- ‌حاصل ما تدل عليه أقوال أهل اللغة

- ‌العصمة في الاصطلاح

- ‌نشأة التعريف الاصطلاحي

- ‌تعريف الراغب ودلالته

- ‌تعريف الحافظ ابن حجر

- ‌تعريف السعد

- ‌اتفاق التعريفين في المآل والثمرة

- ‌تعريف ابن الهمام

- ‌تعريف الحكماء

- ‌جمع اللقاني معاني التعريفات

- ‌ما تنتهي إليه تعريفات العلماء للعصمة اصطلاحاً

- ‌مواقع العصمة من حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

- ‌ عصمة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - قبل البعثة

- ‌اعتراض وجوابه

- ‌الاستدلال رواية على عصمة الأنبياء قبل النبوة

- ‌الانتصار لصحة هذا الحديث

- ‌وجوه صحة هذا الحديث

- ‌عصمة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - بعد البعثة

- ‌عصمة الأنبياء من الكذب

- ‌منع السهو والنسيان على الأنبياء في التبليغ

- ‌انتصار ابن تيمية للقول بعصمة الأنبياء في التبليغ

- ‌إجماع العلماء على القول بوجوب عصمة الأنبياء في التبليغ

- ‌تنوع الذنوب إلى صغائر وكبائر

- ‌مسالك التكليف

- ‌وجه القول بأن جميع الذنوب كبائر

- ‌جمع الحافظ ابن حجر بين قولي ابن عباس في الكبائر

- ‌الاستدلال بالقرآن والسنة على تنوع الذنوب إلى صغائر وكبائر

- ‌الأدلة من السنة على تنوع الذنوب إلى صغائر وكبائر

- ‌الأدلة من أقوال الصحابة والتابعبن على انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر

- ‌خطر القول بأن جميع الذنوب كبائر

- ‌عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الذنوب صغائرها وكبائرها

- ‌وجوه الاستدلال على عصمة الأنبياء من الصغائر والكبائر

- ‌توافر وسائل الرواية على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من جميع الذنوب

- ‌الباب الثانيالاجتهاد

- ‌تعريف الاجتهاد لغة

- ‌تعريف الاجتهاد اصطلاحاً

- ‌الفرق بين اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم واجتهاد علماء أمته

- ‌اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌أدلة المانعين لاجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌أدلة الجمهور على جواز اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌أدلتهم من السنة

- ‌أظهر أدلتهم العقلية

- ‌أدلة القائلين بجواز الاجتهاد له صلى الله عليه وسلم في الحروب فقط

- ‌الباب الثالث

- ‌معنى العتاب

- ‌تباين أسلوب الآيات المكية والمدنية في تربية الله للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ما يلمح من شدة العتاب فيراد به تربية المجتمع

- ‌العتاب في اللغة

- ‌منهجي في التعرف على آيات العتاب

- ‌أنواع عتاب الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام:

- ‌الذنب

- ‌اختلاف نسبة الذنب باختلاف الفعل والفاعل وقصد الفاعل

- ‌إسناد الذنب إلى ضمير خطاب رسول الله في القرآن الكريم

- ‌دلالة أمره تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر

- ‌دلالة أمره صلى الله عليه وسلم بالاستغفار في سورة محمد

- ‌دلالته في آية سورة الفتح

- ‌تهنئة وتطلع

- ‌التوبة

- ‌التوبة لغة

- ‌اختلاف التوبة باختلاف التائبين

- ‌آيات عتاب المصطفى صلى الله عليه وسلم

- ‌النوع الأول

- ‌الحال الأول من عتاب التوجيه

- ‌من تَلَطُّف الله برسوله صلى الله عليه وسلم في الخطاب

- ‌الحال الأولى

- ‌الحال الثانية

- ‌حراسة فتيان بني هاشم لرسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌العباس أحد حراس رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(ملازمة العباس لرسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(قدوم البراء وكعب ابن مالك على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(حضور العباس بيعة العقبة الكبرى)

- ‌(أسباب حراسته صلى الله عليه وسلم بمكة)

- ‌(أسباب حراسته صلى الله عليه وسلم بالمدينة)

- ‌(حراسة أبي أيوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بنائه بصفية)

- ‌(مشروعية حراسة ولي الأمر)

- ‌(وثوق الرسول صلى الله عليه وسلم بعصمة الله له)

- ‌ظهور القول بمكية (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)

- ‌القسم الأول من عتاب التوجيه

- ‌(الحرج لغة)

- ‌(الغرض من النهي عن الحرج من الإنذار بالقرآن)

- ‌(من جميل التلطف في الخطاب برسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(ثانية آيات العتاب التوجيهي)

- ‌ما يدل عليه التعبير بـ (لعل) في هذه الآية

- ‌(موطن العتاب في هذه الآية الكريمة)

- ‌(الآية الثالثة)

- ‌(موطن العتاب فيها)

- ‌(عتاب الدفع وتقوية العزيمة)

- ‌القسم الثاني من عتاب التوجيه

- ‌(آيات عتاب الإقصار)

- ‌(تضمُّن القرآن وجوه الخير)

- ‌(التلطف والإشفاق برسول الله صلى الله عليه وسلم في توجيه الخطاب إليه)

- ‌(موطن العتاب في الآية)

- ‌(موضع العتاب من هذه الآية)

- ‌الآية الثالثة من آيات عتاب الإقصار

- ‌(موضع العتاب منها)

- ‌(محصلة هذا النوع من العتاب التلطف به)

- ‌النوع الثاني عتاب التنبيه

- ‌(الغرض من هذا النوع)

- ‌(حصر آيات هذا النوع من العتاب)

- ‌(أولى آيات هذا النوع من العتاب)

- ‌(تهديد المتقاعسين عن الخروج إلى غزوة تبوك)

- ‌(إظهار نوايا المنافقين للتحذير منهم)

- ‌(موضع العتاب من الآية)

- ‌(بيان وجه الصواب في الإذن لهم بالقعود)

- ‌(نفي الإيمان عن المستأذنين)

- ‌(ظهور عداوة المنافقين توجب منعهم من الخروج مع جيش المؤمنين)

- ‌(وجوه صواب إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للمنافقين بالقعود عن الخروج معه)

- ‌(خطر اندساس المنافقين في المجتمع الإسلامي)

- ‌(جفوة التعبير دليل ضعف في التفكير)

- ‌(تلطف في التعبير لا عتاباً له)

- ‌(إجراء الخطاب على وجهه خير من تأويله)

- ‌(موضع العتاب في هذه الآية)

- ‌(ثانية آيات هذا النوع من العتاب)

- ‌(نفي التخيير عن دلالة هذه الآية)

- ‌(إفادة العدد سبعة)

- ‌(تقديم منطوق حديث ابن عباس على منطوق حديث ابن عمر)

- ‌(الرد على الزمخشري)

- ‌(التماس وجه القول لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله ابن أبي)

- ‌(النهي عن الاستغفار للمشركين)

- ‌(نفي التهيؤ للفعل أبلغ من نفي الفعل)

- ‌(موقع العتاب من هذه الآية)

- ‌(إيجاب تعليق عموم الأعمال على مشيئة الله)

- ‌(وجه كون الخطاب بهذه الآية عتاباً)

- ‌النوع الثالث عتاب التحذير

- ‌(آيات عتاب التحذير)

- ‌(تفصيل القول في الموضع الأول من هذه الآيات)

- ‌(الأمر بالتزام الحق والعدل في معاملة جميع الناس)

- ‌(ما يدل عليه توسيط الأمر بالاستغفار بين النهيين)

- ‌(تصوير حال المختانين أنفسهم)

- ‌(وصفهم بسوء ما بيتوا للتحذير من الاغترار بمثل ما تجمعوا عليه)

- ‌(التمويه بالجدل الكاذب في الدنيا لا ينجي من عذاب الآخرة)

- ‌(فتح باب التوبة للتائبين)

- ‌(قطع أطماع المنافقين في حجب الحقيقة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(موضع العتاب في هذه الآية)

- ‌(ثانية آيات هذا النوع من العتاب)

- ‌(تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يلقاه من أذى المشركين)

- ‌(الرد على المستهينين بالفقراء من المؤمنين)

- ‌(ما فتن به المستكبرون عن قبول الإيمان)

- ‌(ما يكون به علو المنزلة عند الله ورسوله)

- ‌(موضع العتاب من هذه الآية)

- ‌(الربط بين آية سورة الأنعام وآية سورة الكهف الناهيتين عن طرد الذين يدعون ربهم)

- ‌(اختصاص الله بعلم الغيب وانفراده بالحكم في خلقه)

- ‌(تيئيس رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجاء إيمان المستكبرين)

- ‌(تهديدهم بالعذاب الشديد)

- ‌(وجه العتاب في الآية)

- ‌(النهي عن استبقاء الأسرى)

- ‌(توجيه وجه الخطاب بالآية الكريمة)

- ‌(تنزيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إرادة شيء من الدنيا)

- ‌(موضع العتاب من الآية)

- ‌(المعاتبون بالآية)

- ‌(إشارة إلى اختلاف العلماء في بيان الإبهام بالمراد بالكتاب الذي سبق)

- ‌(قرار الصحابة بأخذ الفداء)

- ‌(لا عتاب على الفداء ولا على أخذ الغنيمة)

- ‌(توجيه العتاب إلى من تعجلوا أخذ الغنيمة ولم يثخنوا في العدو)

- ‌(وجه القول بأن في الآية عتاباً)

- ‌(إبطال عادة التبني على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(تزويج الله عز وجل زينب بنت جحش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(ما أخفاه النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه)

- ‌(احتمالات ما يدل عليه الخطاب بهذه الآية الكريمة)

- ‌(ما كان يخشاه من الناس)

- ‌(التشريع المقصود بهذه الآية الكريمة)

- ‌(التنويه بزيد بن حارثة ووجه ذلك)

- ‌(رد الله تعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌(وجه تقديم نفي الحرج عن المؤمنين على نفيه عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(رفع الحرج عن المجتمع المؤمن بإبطال عادة التبني)

- ‌(تنزه كثير من أهل العلم عن أقوال القصاص)

- ‌(مذهب السلف إثبات ما أثبته القرآن الكريم)

- ‌(العمل على إبطال التعاظم بالأنساب والأحساب)

- ‌(بدء التنافر بين قلبي زينب وزيد بن حارثة)

- ‌(الله المزوِّج وجبريل الشاهد)

- ‌(الخير العام في كل من زواج زييد بن حارثة بزينب بنت جحش وطلاقه لها)

- ‌(آية آخرى في عتاب التحذير)

- ‌(المنع المحرم وغير المحرم)

- ‌(التحليل والتحريم خاص بالله)

- ‌(ما يدل عليه تصدير الآية بندائه بوصف النبوة)

- ‌(ما حرمه النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه)

- ‌(موئل العتاب من هذه الآية)

- ‌(قصة نزول عبس وتولى)

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌(تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يلقاه من أذى المشركين)

فقدم الله تعالى إلى رسوله الكريم التعزية والتسلية على حزنه البالغ الذي لم يبق في نفس النبي صلى الله عليه وسلم أثراً في الأمل فيهم والرجاء في إيمانهم فقال له (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)).

وهاتان الآيتان تضمنتا أموراً:

أولاً - إخبار الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أنه علم ما يحزنه علماً أكده بحرف التحقيق الذي يفيد أن هذا العلم محقق ثابت وبدخول اللام على خبر إن المؤكدة، وإبهام ما يحزنه في الإتيان بصلة الموصول مبهمة غير مفسرة (يقولون).

* * *

(تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يلقاه من أذى المشركين)

ثانياً - إخباره سبحانه وتعالى رسوله بأن تكذيب هؤلاء المشركين لم يكن قط موجهاً لذاته الشريفة صلى الله عليه وسلم بقوله (فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ) وفِى هذا تلطف برسول الله صلى الله عليه وسلم وتلميح إلا ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الصدق والأمانة ومكارم الأخلاق ورفيع الشمائل التي يعترف بها هؤلاء المشركون رغم ما يكنونه لدعوته من عداء فهذا تنزيه لذاته صلى الله عليه وسلم وتبرئة لساحته أن يتوجه إليها الكذب.

ص: 223

وقد روى الترمذي والحاكم والطبري عن علي رضي الله عنه: " أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لا نكذبك ولكن نكذب بما جئت به " فأنزل الله تعالى (فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ).

ثالثاً - بيان أن سبب عناد هؤلاء المشركين وتعنتهم بطلب الآيات من رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو جحدهم آيات الله، وهذا كأنه موجه إلى الله سبحانه وتعالى فكأن الله تعالى قال له: إن هذا التكذيب موجه إليَّ في آياتي ولم يوجه إليك في دعوتك وصدق رسالتك.

ثم سلك الله تعالى بنبيه صلى الله عليه وسلم مسلكاًْ آخر في التلطف والتعزية ليستل من قلبه الطاهر كل أثر للحزن على عدم إيمان هؤلاء المشركين وهو مسلك التأسي بإخوانه الأنبياء والمرسلين وبيان أن ذلك العناد والتعنت من الكفرة والمشركين سبيل الأمم قبله وقبل أمته، وأن التذرع بالصبر والاحتمال سبيل حملة رسالات الله تعالى فقال له (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)). وهو بأسلوب التأكيد المفتتح بلام القسم وحرف التحقيق ليبين له أن شأن الرسل من جميع من تقدمك منهم أن يكذبوا وشأن الأمم عامة أن تقابل رسالات الله بالكفر والجحود وإيذاء حملة رسالات الله الذين يدعونهم إلى الجنة وهم لا يريدون إلا النار إلا من عصم الله، وأن عاقبة هذا الصبر والاحتمال على التكذيب والجحود هي تنزل

ص: 224

نصر الله تعالى على أنبيائه ورسله وأخذ الظالمين الجاحدين بانتقامه وبطشه الشديد.

وفي إبهام الفاعل في قوله (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) والتصريح بالمكذَّبين -بفتح الذال المشددة- من الرسل إعظام لرسل الله ورسالاته وتحقير لمن كذبهم وجحد آيات الله التي جاءوا بها لهدايتهم.

وقد بيّن الله سبحانه وتعالى أن هذا سنة من سننه التي لا تتبدل ولا تتغير وأن نصره آتٍ لا يتخلف فقال (وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ) وكلمات الله هي الآيات التي أنزلها على رسله ووعدهم النصر فيها كقوله تعالى: (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي). وقوله تعالى: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)). وقوله (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)). وهذا سنة من سنن الله تعالى في خلقه.

ثم أخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأسلوب التأكيد الموثق بأن هذا مما أخبره الله به فقال له (وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ).

فلما بلغت التسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم مبلغها -وكان ما طبع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرأفة والرحمة وحب إيمان قومه وحرصه الشديد عليهم أن يجنبهم انتقام الله وبأس عذابه- وجه الله تعالى الخطاب إلى رسوله عليه

ص: 225

الصلاة والسلام في نوع من الحسم ليفصم عرى هذا الحرص ويقطع رجاء رسوله في هؤلاء المتعنتين وبيانه: أنه لا أمل في إيمانهم لأن الإيمان إنما يتعلق بمشيئة الله تعالى وإرادته ولو شاء الله هدايتهم لهداهم أجمعين - فقال (وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35)). أي أنك قد استنفدت كل طرائق موجبات دلائل الإيمان وآتيتهم من الآيات ما فية الغنية عن طلب المزيد وتحقق لهم أنك صادق فيما جئتهم به من عند ربك ومع ذلك لم يؤمنوا مكابرة وإعناتاً واستهزاء ولم يبق إلا أن تأتيهم بالمستحيلات وما ليس فِي استطاعتك الإتيان به فقد شق عليك إعراضهم وعظم عليك صدودهم عن الإيمان وبلغ بك الحرص على إيمانهم إلى أن لو استطعت أن تدخل سرباً في الأرض أو ترقى سلماً في السماء فتأتيهم بما اقترحوا من الآيات توصلاً إلى إيمانهم وتطلعاً إلى نجاتهم من عذاب الله بدخولهم حظيرة الإيمان لفعلت ذلك.

ولكنهم بما طبعوا عليه من سوء الاستعداد لقبول الإيمان لن يؤمنوا ولو فعلت معهم ما تستطيع وما لا تستطيع، فتخفف من الحزن عليهم إذ لو شاء الله هدايتهم واستقامتهم على الدين لوفقهم لذلك بلطفه ورحمته ولكنه لم يشأ لهم ذلك بعدله وسابق علمه بحالهم فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، ولا تكن في رجائك إيمانهم -بعد ما تضافرت لك البراهين على عتوهم وإصرارهم على الكفر- ممن يغفل عن واقعهم ويطمع في إيمانهم لأن هذا شأن الجاهلين الذين ينساقون مع عواطف الرحمة والشفقة فيطمعون في غير مطمع، وهذا ليس من شأنك ولا مما يتعلق برسالتك.

ص: 226