الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104)) ليواصلوا الجهاد، وملاحقة الكافرين الذين ناصبوهم العداء كسراً لشوكة الكفر والكافرين، وخضداً لقوة أعداء الإسلام والمسلمين الذين يحاولون القضاء على الدين الإسلامى وإهلاك أهله المنتمين إليه المخلصين في الدعوة إلى سبيله إعلاء لشأنه وترسيخاً لأركانه.
ولتذكيرهم بألا يجعلوا من آلامهم الجسمية التي أصابتهم في جهادهم لأعداء الله ورسوله مانعاً من ابتغاء الكافرين ومطاردتهم، فإن أعداءهم أصيبوا بمثل ما أصيبوا به من الآلام وأوجاع الجراح والقتل، ومع ذلك فهم يصبرون على آلامهم، وينازلون المسلمين للقضاء عليهم، وعلى دينهم، فلا ينبغى لكم أيها المؤمنون أن تكونوا أقل صبراً من أعدائكم ولا أن تضعفوا عن مواقفتهم وملاحقتهم وأنتم تزيدون عليهم برفعة الإيمان والرجاء من الله نصره وتأييده وإظهار دينه وهو ما لا يرجوه أعداؤكم لأن الله مولاكم ولا مولى لهم.
ولتحذير المؤمنين ألا يضعفوا عن ملاحقة أعدائهم وألا يغفلوا عن الاستعداد لهم كسراً لشوكتهم في كل آن.
* * *
(الأمر بالتزام الحق والعدل في معاملة جميع الناس)
وقد جاء صدر الآية الأولى من هذه الآيات الثلاث -موضع البحث- بعثاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم على التزام الحق والعدل في معاملة جميع الناس أعداء كانوا أم أصدقاء، كفاراً أم مؤمنين -كما هو ديدنه صلى الله عليه وسلم في جميع الأحوال والأوقات والملابسات ومع جميع الناس من حيث هم ناس دون نظر إلى ما هم عليه من عقيدة ليكون ذلك نهجاً واجب السلوك على أمته من بعده في مقام انتصارها على أعدائها والظهور عليهم والتمكن منهم ألا يجانبوا الحق
والعدل في معاملتهم لأن العداوة لا تبيح مجانبة الحق والعدل، ولأن الكفر لا يبيح معاملة الكافر بما لم يعاملنا به، فلا يعتدى عليهم في مال أو عرض بغير حق ثابث وعدل قائم القواعد ولا يمثل بهم.
وجاء قوله (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ) مقرراً لقاعدة عامة هامة، وهي أن الله تعالى قد جعل الحكم بين جميع الناس قائماً على الحق والعدل سواء كان الناس كفاراً أم مؤمنين، أصدقاء أم أعداء، لا يُحَابي قريباً لقرابته ولا صديقاً لصداقته ولا يتحيف على عدو لعداوته، بل الناس بجميع أجناسهم وألوانهم وأديانهم وأحوالهم أمام الحكم بالحق والعدل سواء.
وهذا رد إلى ما تقدم في هذه السورة الكريمة من الأمر بالحكم بين الناس بالعدل في قوله (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) فهو من باب التأكيد المعنوي، فقوله هنا في هذه الآية -موضع البحث- (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ) في مقابلة قوله في تلك (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ).
ولعل هذا هو وجه من جعل ربط هذه الآيات الثلاث بالآية المتقدمة الآمرة بالحكم بين الناس بالعدل.
والذي أراه الله إياه اختلف فيه العلماء فقال فريق: هو ما يراه صلى الله عليه وسلم بالرأي والاجتهاد، وقال فريق آخر هو ما ينزل عليه به
الوحي.
وأياً ما كان فمرجع ما أراه الله إياه سواء أكان عن رأي واجتهاد منه صلى الله عليه وسلم أم عن وحي منزل فإن مرجعه إلى الوحي إذ لو كان ما أراه الله رأياً واجتهاداً فإما أن يصوب إن كان خطأ وإما أن يقر إن كان صواباً فرجع في صورتيه إلى الوحي.
وخطابه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة بقوله تعالى: (وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) يشعر بأنه صلى الله عليه وسلم هجس في نفسه الشريفة شىء أو حدث نفسه بشيء أخذاً بظاهر الحال قبل أن يبين الله له جلية الأمر، ولا يلزم هذا النهي وقوع المنهي عنه.
وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن اللام في قوله (وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) لام التعليل بمعنى أنه صلى الله عليه وسلم نهي عن مخاصمة البرآء لأجل الخائنين.
ومن المفسرين من ذهب إلى أنها بمعنى " عن " أي أنه صلى الله عليه وسلم نهي عن أن يكون مخاصماً عن الخائنين.