الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مواقع العصمة من حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
بعد أن عرضنا معنى العصمة لغة، واصطلاحاً، وبان لنا المراد بها، فالبحث يدعونا إلى تحديد زمنها، وبيان مواقعها من حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
وحيث إن لعمر كل نبي أو رسول إلى الخلق فترتين، فترة تسبق الإصطفاء، وأخرى تبدأ بالوحي إليه، وتنتهي بلحاقه بربه فقد بحث العلماء - رحمهم الله تعالى - عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فِي هاتين الفترتين، واختلفت وجهات نظرهم هل هي ثابتة لهم قبل البعثة وبعدها؟ أو هي ثابتة لهم بعد البعثة ليس إلا؟.
* * *
(1)
عصمة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - قبل البعثة
وقد تناول بحث العلماء عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في هذه الفترة من ناحية الاعتقاد وغيره.
أما الاعتقاد فقد أجمعت الأمة على عصمتهم من وقوع الكفر منهم قبل البعثة، وحكى هذا الإجماع صاحب المواقف وقال شارحه:" ولا خلاف لأحد منهم في ذلك "، وقال الكمال ابن الهمام -في المسايرة نقلاً عن القاضي الباقلاني-: " إنهم معصومون من وقوع الكفر، لأن الذي
صح عند أهل الأخبار والتواريخ أنه لم يبعث من أشرك بالله طرفة عين وإنما بعث من كان تفياً نقياً زكياً أميناً مشهور النسب حسن التربية ".
وقال القاضي عياض -في الشفاء-: " ولم ينقل أحد من أهل الأخبار أن أحداً نبئ واصطفي ممن عرف بكفر وإشراك قبل ذلك ".
وقال القرطبي عند تفسيره لقول الله تعالى (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) وحكاية تبري إبراهيم عليه الصلاة والسلام مما كان يشرك به قومه بقوله: (إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) قال: " غير جائز أن يكون لله تعالى رسول يأتي عليه وقت من الأوقات إلا وهو لله موحد وبه عارف ومن كل معبود سواه بريء ".
وقال الآلوسي -في تفسيره لهذه الآية أيضاً-: " وزعم أنه صلى الله عليه وسلم قال ما قال إذ لم يكن عارفاً بربه سبحانه -والجهل حال الطفولية قبل قيام الحجة، لا يضر ولا يعد ذلك كفراً- مما لا يلتفت إليه أصلاً " فقد قال
المحققون المحقون: إنه لا يجوز أن يكون لله تعالى رسول يأتي عليه وقت من الأوقات إلا وهو لله تعالى موحد وبه عارف ومن كل معبود سواه بريء.
وعبارة الآلوسي -وإن كان الشطر الأخير منها هو عبارة القرطبي إلا أنه رد بها زعماً باطلاً- ذكر فيها أن هذا هو قول المحققين المحقين مما يدل على أن القائل بهذا القول كثير من حذاق العلماء ومحققيهم وهو ما يطمئن إليه القلب وتستريح إليه النفس.
أما غير الاعتقاد -وهو يشمل القول والعمل- فجمهور أهل السنة على جواز وقوع الصغائر والكبائر منهم قبل البعثة إذ لا دليل من العقل أو السمع على امتناعها منهم.
ومنع جمهور المعتزلة صدور الكبائر وصغائر الخسة منهم قبل البعثة لأنها تؤدي إلى النفرة عنهم وعدم الانقياد لهم، قال القاضي عبد الجبار:". . . وقوع ذلك منهم ينفر عن القبول، وتنزيههم عنه يقتضي سكون النفس إليهم، وأن يقوّي الدواعي في القبول منهم ".
.