الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد علق أبو حيان - رحمه الله تعالى - في البحر على هذا المسلك من التفكير والتعبير فقال: " وكلام الزمخشري في تفسر قوله (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) مما يجب إطراحه فضلاً عن أن يذكر فيرد عليه ".
قال الآلوسي: " وكم لهذه السقطة في الكشاف من نظائر ".
* * *
(تلطف في التعبير لا عتاباً له)
ومن العلماء من لم ير في هذه الآية عتاباً، وإنما هي -عندهم- من باب التلطف في الكلام، والدعاء للمخاطب الجاري على الأسلوب العربي في مخاطبة الكرام، ومراسلة الأحباء والأصدقاء على نحو قولهم:" عفا الله عنك هلا أعطيتني كذا، وأصلحك الله، ووفقك الله كان الأمر كذا وكذا. . " فابن الأنباري يقول: " لم يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك لجرم أجرمه، ولكن الله وقره ورفع من شأنه حين افتتح الكلام بقوله: " عفا الله عنك " كما يقول الرجل لمخاطبه إذا كان كريماً: " عفا الله عنك ما صنعت في حاجتي؟ ورضي الله عنك هلا زرتني؟ ".
وممن قال بذلك أيضاً القاضي عياض في الشفا، والقسطلاني في المواهب ونقلا فيهما عن الداودي، ومكي والقشيري ونفطويه، ونسبه القرطبي إلى مكي والمهدوي والنحاس، ونقله الزرقاني عن
ابن المنير.
فالقشيري قال: " وإنما يقول: العفو لا يكون إلا عن ذنب من لم يعرف كلام العرب " وقال نفطويه فيما أورده عنه أبي حيان في البحر: " ذهب ناس إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم معاتب بهذه الآية، وحاشاه من ذلك بل كان له أن يفعل وألا يفعل حتى ينزل عليه الوحي، كما قال: " لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة ". لأنه كان له أن يفعل وأن لا يفعل، وقد قال الله تعالى (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ) لأنه كان له أن يفعل ما يشاء مما لم ينزل عليه فيه وحي، واستأذنه المتخلفون في التخلف واعتذروا، اختار أيسر الأمرين تكرماً وتفضلاً منه صلى الله عليه وسلم، فأبان الله تعالى أنه لو لم يأذن هم لأقاموا للنفاق الذي في قلوبهم وأنَّهم كاذبون في إظهار الطاعة والمشاورة، فـ (عَفَا اللهُ عَنْكَ) عنده افتتاح كلام أعلمه به أنه لا حرج عليه فيما فعله من الإذن وليس هو عفواً عن ذنب إنما هو أنه تعالى أعلمه أنه لا يلزمه ترك الإذن لهم كما قال صلى الله عليه وسلم: " عفا الله لكم عن صدقة الخيل والرقيق، وما وجبتا قط " ومعناه: ترك أن يلزمكم ذلك.
قال أبو حيان -بعد أن أورد كلام نفطويه-: " ووافقه عليه قوم فقالوا: ذِكْرُ العفو هنا لم يكن عن تقدم ذنب، وإنما هو استفتاح كلام جرت عادة العرب بأن تخاطب بمثله لمن تعظمه وترفع من قدره، يقصدون بذلك الدعاء