الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آيات عتاب المصطفى صلى الله عليه وسلم
-
بينا -فيما سبق- أن العتاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم في آيات القرآن -التي غلب على ظني أنها موضع عتاب له عليه الصلاة والسلام لا يخرج عن ثلاثة أنواع رئيسية، وقد بينت حقيقة هذه الأنواع والمقصود منها.
وآتي الآن إلى تفصيلها، وعرض الآيات التي تمثل كل نوع منها كل على حدة آملاً من الله تعالى التوفيق والهداية إلى ما فيه السداد وحسن الأدب في بيان المراد.
النوع الأول
من أنواع عتاب الرسول صلى الله عليه وسلم هو ما سميناه (عتاب التوجيه) -كما سبق أن أوضحنا ذلك- وهو يشمل حالين من أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته إلى الله.
* * *
الحال الأول من عتاب التوجيه
الحال الأول: حينما فجأه الوحي بالرسالة والأمر بتبليغها إلى الخلق في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2)). وهي أول آية نزلت بالإنذار العام، وقد وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه وحيداً في هذا الشأن، وليس معه أحد على مثل ما طلب منه فاستعظم على نفسه إخراج الناس مما هم فيه من كفر وضلال إلى الهدى والنور، فضاق صدره الشريف الطاهر ذرعاً، وتهيب أن يواجه الناس بالتبليغ خشية أن يكذبوه، ويردوا عليه رسالته، فصمت، ولم يسارع إلى أمر الله بالإنذار، فإن ما كلف به من
مواجهة الناس بأن يعبدوا الله إلهاً واحداً ويتركوا ما ألفوه هم وآباؤهم من عبادة الآلهة المتعددة لأمر جلل في معيارهم الفكري، وعرفهم الجاهلي تنخلع له قلوبهم، يهبون لرده عن بكرة أبيهم ذوداً عن كيانهم، وإبقاء على معتقدهم القديم.
فليس من اليسير إذن مواجهتهم حالاً بما يكرهون، إذ الإقدام على ذلك -دون تريث وأعمال فكر في أنجع السبل التي تكفل ولو في ظاهر الحال حسن استجابتهم- قد يكون سبباً لصدودهم عنه وعدم قبولهم منه وذلك معناه الاستهداف لسهامه، والتعرض لغضبهم، والوقوع في نقمتهم.
في ظل هذا الموقف تريث رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبلاغ قومه، وصمت، ولعله في ذلك كان يتلمس أفضل السبل التي يمكنه بها إبلاغ ما أمره الله به إليهم بسبيل تكون أقرب إلى الاستجابة فنزل عليه جبريل عليه السلام فأمره أن يسرع إلى تبليغ أمر ربه، وإلا تعرض لعذابه، روى الإمام البخاري -في كتاب " خلق أفعال العباد "-. عن أبي الأحوص عن أبيه قال:" أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فصعد في النظر وصوب، قلت: إلى م تدعو؟ وعم تنهى؟ قال: " لا شيء إلا الله والرحم " قال: " أتتني رسالة من ربي فضقت بها ذرعاً، ورأيت أن الناس سيكذبونني فقيل لي: لتفعلن أو ليفعلن بك ".
قال الحافظ ابن حجر -في الفتح-: " وأصله في السنن، وصححه ابن حبان والحاكم ".
وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " رب إذاً يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة ".
وأخرج ابن راهويه في مسنده - كما ذكره الآلوسى في روح المعاني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بعثني الله تعالى بالرسالة فضقت بها ذرعاً، فأوحى الله تعالى إن لم تبلغ رسالاتي عذبتك، وضمن لي العصمة فقويت ".
قال القرطبي في تفسيره: ": قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لما بعثني الله برسالته ضقت بها ذرعاً، وعرفت أن من الناس من يكذبني فأنزل الله هذه الآية " أي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).
قال السيوطي: " وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي في الدلائل من طرق عن علي رضي الله عنه قال:
" لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فضقت بذلك ذرعاً، وعرفت أني مهما أبادئهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمت عليها حتى جاء جبريل فقال: يا محمد إنك إن لم ْتفعل ما تؤمر به يعذبك ربك ".
وروى البيهقي في الدلائل عن الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى - أن الله
تعالى لما أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يعلم الناس نزول الوحي عليه ويدعوهم إلى الإيمان
به كبر عليه ذلك وخاف التكذيب، وأنْ يتناول، فنزل عليه (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله بعثني برسالة فضقت بها ذرعاً، وعرفت أن الناس مكذبي فوعدني لأبلغن أو ليعذبني " فأنزلت (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ)