الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم
-
اختار الله سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسولاً إلى خلقه ختم به الرسالات الإلهية، وكلفه تبليغ شرعه إلى عباده، وعهد إليه بتبيين ما نزل إلى الناس من ربهم فهو صلى الله عليه وسلم المبلغ عن الله تعالى وإليه -في حياته المباركة- يتوجه المسلمون طالبين معرفة حكم ما ينوبهم من أمر سواء كان أمراً يتعلق بالعبادات وكيفياتها، أم كان مما يعرض لهم في حياتهم اليومية من مسالك ينظمون بها مصالحهم، وتعاملهم، فيما بينهم وبين غيرهم، أم فيما يحتكمون إليه صلى الله عليه وسلم فيما قد ينشأ بين بعضهم من منازعات، فهو صلى الله عليه وسلم المرجع لهم في الأمر كله بعد الله تعالى، وعنه تؤخذ جميع الأحكام والشرائع، إذ هو وحده مصدر العلم بأحكام الله تعالى ومقاصد الشريعة ومصالح العباد.
وكانت الوقائع والحوادث بين الناس تتوالى، وكانت الأحكام تنزل على حسب الحاجة، والمصالح والحكمة الإلهية، فهل كانت الأحكام التي تنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق الوحي رداً علي سؤال سئله رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تأسيساً لحكم من أحكام الشريعة سادة للحاجة الوقتية التي يتطلبها جو الوقائع؟ أو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرى أن يجيب سائلاً عن سؤاله أو يخير بحكم اجتهاداً منه صلى الله عليه وسلم؟
من هنا يبرز سؤال هو: هل كان يجوز للرسول صلى الله عليه وسلم وهو الذي يتلقى الوحي من الله تعالى - أن يجتهد فيما لم ينزل عليه به وحي أو ليس له ذلك؟.
اختلف العلماء في جواب هذا السؤال اختلافاً منتشراً. .
فقالت طائفة: لا يجوز للرسول صلى الله عليه وسلم أن يحكم بالاجتهاد أي أن الله تعالى لم يأذن لرسوله صلى الله عليه وسلم في الاجتهاد في بيان أحكام الحوادث التي ينزل عليه فيها وحي ولا تعبده الله به.
وهذا القول منسوب إلى بعض الشافعية، وإلى بعض الحنابلة ومنهم أبو حفص العكبري، وإلى الأشاعرة، وأكثر المعتزلة.
وفي نسبة القول بمنع اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم مطلقاً إلى عموم الأشاعرة نظر، وذلك أنا نجد في كتب الأصوليين، والمتكلمين منهم ما هو صريح في إثبات القول بجواز الاجتهاد للرسول صلى الله عليه وسلم والدليل على ذلك ما جاء في منهاج البيضاوي وشروحه، وما جاء في جمع الجوامع لابن السبكي وشروحه وحواشيه، وما جاء في كشف الأسرار والتحرير وشرحه، والمسامرة بشرح المسايرة، وشرح العقائد للسعد وغيرها من كتب الأشاعرة الأصولية والعقيدية.
وهؤلاء كلهم أشاعرة، وقد أثبتوا جواز الاجتهاد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووقوعه منه ودللوا على ذلك في كتبهم، فالظاهر أن نسبة المنع للأشاعرة محمولة على بعضهم.
كما أن في نسبة القول بمنع الرسول صلى الله عليه وسلم من الاجتهاد فيما يتعلق بأمر الشرع إلى أبي حفص العكبري نوعاً من التجوز إذ أنه قد اختار هو وشيخه ابن بطة -فيما نقله عنهما ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة- أنه " كان يجوز لنبينا صلوات الله وسلامه عليه الاجتهاد فيما يتعلق بأمر الشرع ".
قال في المسودة -لآل تيمية-: " قال شيخنا: قال ابن بطة: فيما كتب به إلى ابن شاقلا في جوابات مسائل، وقال: والدليل على أن سنته وأوامره صلى الله عليه وسلم قد كان فيها بغير وحي وأنها كانت بآرائه واختياره أنه عوتب على بعضها ولو أٌُمِر بها لما عوتب عليها، فمن ذلك: حكمه فِي أسارى بدر وأخذه الفدية، وإذنه في غزوة تبوك للمتخلفين بالعذر حتى تخلف من لا عذر له، ومنه قوله تعالى (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) فلو كان وحياً لم يشاورهم فيه ".