الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد صحح علي القاري هذا الحديث في شرح الشفاء، كما صححه الشهاب الخفاجى في نسيم الرياض، وقال السيوطي في الخصائص الكبرى: أخرجه ابن راهويه في مسنده وابن إسحاق والبزار والبيهقي وأبو نعيم في الدلائل وابن عساكر عن علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يهمون به. . ." فذكر الحديث ثم قال: " قال ابن حجر: إسناده حسن ورجاله ثقات ".
ونقله ابن كثير في البداية والنهاية عن البيهقي وعقب عليه بقوله: " وهذا حديث غريب جداً وقد يكون عن علي نفسه ويكون قوله في آخره " حتى أكرمني الله عز وجل بنبوته مقحماً " والله أعلم ".
* * *
وجوه صحة هذا الحديث
مما سلف يظهر ما يلي:
1 -
أن هذا الحديث مروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو متصل الإسناد مرفوع إليه صلى الله عليه وسلم ولعله قد سقط من ابن حزم، أو من الناسخ بعده قوله (عن أبيه عن جده) وإلا لما حكم عليه بالصحة في كتابه.
2 -
أن هذا الحديث صحيح لما قاله الحاكم، ولموافقة الذهبي له على ذلك
ولتصحيح القاري والشهاب لرواية البزار لهذا الحديث.
3 -
أن كلاً ممن ذكرنا من الأئمة الحفاظ أورد هذا الحديث مستدلاً به على عصمة الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم قبل النبوة وحفظه إياه من جميع أعمال الجاهلية.
وأما قول الحافظ ابن كثير الذي سبق إيراده عنه في هذا الحديث فمردود من وجهين:
الوجه الأول: أن وصف الحديث بالغرابة ليس معناه رده في جميع الأحوال إذ من الغريب ما هو في الصحيح، ومتفق عليه كما هو معروف لأهل هذا الشأن.
وهذا الحديث الذي نحن بسبيل الكلام عليه حديث صحيح كما سبق أن بينا، فلا يسوؤه الوصف بالغرابة ما دام رجاله ثقات، ومتنه صحيحاً مقبولاً.
الوجه الثاني: أن قوله (وقد يكون عن عليٍّ نفسه) حكم بالحدس لا يقوم على دليل، فلا تقوم به حجة، إذ أن رد الأحاديت -وبخاصة الصحيحة منها- لا يكون بفرض الاحتمالات، واتباع الرأي، بل لا بد أن يبني على دليل قائم، وقاعدة مسلمة.
ثم إن كلمات الحديث ولفظه وعبارته تدل على أنه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ أن الجملة التي استنكرها ابن كثير - رحمه الله تعالى - ورأى أنها مقحمة، مروية عند جميع الذين رووا الحديث -وهو واحد منهم- مضافة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قولاً منه مؤكداً بالقسم عليه منه صلى الله عليه وسلم، بعدم الهم بشيء من أفعال الجاهلية، وقد أضاف رسول الله صلى الله عليه وسلم إكرام الله عز وجل له بالنبوة، في روايات وبالرسالة كما في رواية البزار إلى ضمير المتكلم في قوله صلى الله عليه وسلم " حتى أكرمني الله برسالته " وما كان لعلي رضي الله عنه أن يضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله، لو لم يكن ينقل اللفظ النبوي الشريف، ويؤده كما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد صرح الراوي في رواية الحاكم وأبي نعيم وابن سيد الناس عند ذكره هذه العبارة بقوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فوالله ما هممت بعدها أبداً. . . الخ " وتصريح الراوي وإعادته لجملة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدفع أيضاً ما قاله ابن كثير، ويؤكد أنَّهَا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وليست إقحاماً، ولا هي تحدثاً من علي رضي الله عنه كما دخل على ابن كثير
رحمه الله تعالى.
أما القاضي عياض -وهو ممن يقول بعصمتهم قبل النبوة وبعدها من الصغائر والكبائر- فنقل الأبي عنه -في إكمال إكمال المُعْلِم- قوله: " وفي حشو قلبه صلى الله عليه وسلم حكمة وإيماناً في الصغر دليل على ما يقوله المحققون من أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الصغر.
وقال القسطلاني في المواهب والزرقاني في شرحها: " أنه صلى الله عليه وسلم معصوم من الذنوب بعد النبوة وقبلها، كبيرها وصغيرها، عمدها وسهوها على الأصح في ظاهره وباطنه، سره وجهره، جده ومزحه، رضاه وغضبه "
ويفهم من صريح قولهم أن القول بعصمتهم من الكبائر والصغائر قبل البعثة هو مذهب المحققين من العلماء.
والحديث السابق برواياته، يشهد لقول القاضي عياض رحمه الله تعالى أن القول بعصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عن الصغائر والكبائر قبل النبوة هو مذهب المحققين.