الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولعل هذا الوجه من أحسن ما تنزل عليه الآية الكريمة لأنه اللائق بما جُبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرأفة والرحمة، وبما كان في المسلمين من حدثاء الإسلام الذين لم تتعمق جذور الإيمان في قلوبهم بعد، فخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ذلك.
* * *
(ما كان يخشاه من الناس)
وحمل خشيته صلى الله عليه وسلم من الناس على الخوف من كلام المشركين والمنافقين
واليهود، وما يرمونه به صلى الله عليه وسلم من أقوال سيئة تسيء إليه صلى الله عليه وسلم برده ما تعالم
وعرف في تاريخ تبليغه الرسالة على مدى مدة الإقامة في مكة -وكان ثلاثة عشر عاماً- وما مضى من مدة قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة إلى حين وقوع قصة زيد وزينب -وهي قد وقعت في السنة الثالثة أو الرابعة من الهجرة- من مناهضة الكفر والشرك والوثنية وطغيان ملأ قريش وعتوهم وفجور سفهائهم من مواقف حفظها تاريخ السيرة النبوية المطهرة من صبر على البلاء ومجابهة للأعداء في أحداث ووقائع كثيرة تدل -قطعاً- على أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان في حياته المباركة يخشى أحداً غير الله تعالى، ولا يقيم وزناً لأقوال الناس فيه وأفعالهم معه حتى رفع لواء العقيدة خفاقاً في آفاق الأدلة والبراهين التي جعلت من العقيدة التوحيدية بنياناً راسخاً وطيد الدعائم لا يستطع -والحمد لله- أحد من الناس أن يخدشه بسوء.
ولم يهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة حتى كان بنيان العقيدة التوحيدية شامخاً يراه كل من ينظر إليه من قريب أو بعيد.
وفي مهاجره صلى الله عليه وسلم لقي من أعداء الإسلام اليهود والمنافقين وبقايا المشركين ما لا يقل فى عنفوانه وعتوه عن فجور مشركي مكة فلم يحفل به ولا خشي أحداً من الناس بل نصب لأعدائه الحرب حتى قضى عليهم
جميعاً، وانفرد الإسلام عزيزاً منصوراً يمشي في تبليغ رسالته إلى أطراف الجزيرة العربية وإلى خارجها.
ولو لم يكن من صور صبره صلى الله عليه وسلم على سفاهة السفهاء وقالة السوء من أعدى أعداء الإسلام المنافقين واليهود إلا صبره في قصة الإفك، ومقابلة ذلك بأرسخ اليقين، والثقة في الله تعالى، وعدم المبالاة بتقول المتقولين وافتراء المفترين لكفاه صلى الله عليه وسلم ذلك في مواقف مفاخره بالاعتصام بالله وإفراده وحده بالخشية منه دون خشية أحد من خلقه.
ثم قال تعالى (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولًا) وهذا تفريع على جملتي الحال السابقتين في قوله (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ) وقوله (وَتَخْشَى النَّاسَ) على ما ذكرنا من الوجوه في معنييهما والمراد منهما. وهما في ارتباطهما كأنهما جملة واحدة تضمنتا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخفى في نفسه إعلام الله له أن زينب بنت جحش ستكون زوجاً له بعد طلاق زيد لها وانقضاء عدتها منه.
ومعنى قضاء الوطر منها: هو عدم الرغبة فيها وعدم الميل إليها وبذلك حلت لك فزوجناكها.
والوطر في الآية الكريمة ما يكون بين الزوجين وهو متضمن معه انتهاء الحب والمودة والرحمة والسكون والميل إليها وتعلق نفسه بشيء منها.
وحيث انتهى ذلك كله لم يبق إلا تنفيذ ما أعلمناك به من زواجك بها.