الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أظهر أدلتهم العقلية
ما قدمنا من الأدلة النقلية هي خلاصة ما يجب الاعتماد عليه في إثبات اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم لأنها وقائع ثبتت بطرق صحيحة متصلة كثيرة لا يمكن العدول عنها وتركها من أجل تخرصات وتخيلات عقلية لا يسندها دليل ثابت، ومع ذلك أورد الجمهور أدلة عقلية لإثبات اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم من أظهرها ما يلى:
1 -
أن العمل بالاجتهاد أشق من العمل بالنص، وزيادة المشقة سبب لزيادة
الثواب لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة في عمرتها فيما يرويه الدارقطني والحاكم:
" أن لك من الأجر على قدر نصبك ونففتك " فلو لم يكن الرسول عليه الصلاة والسلام عاملا بالاجتهاد مع عمل أمته به للزم اختصاص أمته بفضيلة ليست له صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن. وهو ممنوع فكذلك القول بعدم جواز اجتهاده ممنوع.
2 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم على علم تام بمعاني النصوص وملاحظة إلحاق ما لا نص فيه بما فيه نص لسلامة نظره وبعده عن الخطأ، والإقرار عليه، وهذا يرجح إثبات الحكم في الفرع ضرورة فلو لم يقض به لكان تاركاً لما ظنه حكم الله تعالى على بصيرة منه وهو حرام بالإجماع.
واعترض على هذا بأن عمل الرسول صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد لا يكون إلا عند عدم معرفة الحكم بالوحي. وهذا الشرط لا يتبين في حقه صلى الله عليه وسلم فلا مشروط.
ويجاب عنه بأن هذا الشرط يمكن تبينه بالقرائن والأمارات التي تدل على الاجتهاد، كما يمكن تبينه بجواز الخطأ في الحكم بالاجتهاد بخلاف ما كان عن وحي فلا يحتاج إلى قرائن وأمارات ولا يمكن وقوع الخصأ فيه.
وقالت طائفة: يجوز له صلى الله عليه وسلم الاجتهاد فيما يتعلق بالحروب دون غيرها من الأحكام الشرعية.
ولا شك أن المراد بالحروب هنا الجهاد في سبيل الله تعالى وهو أمر ديني قطعاً لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يجاهد الكافرين لطلب شيء من الدنيا وإنما قاتلهم في سبيل الله وإعلاء لدينه فاستثناؤه من الأحكام الشرعية مما لا يظهر له وجه إلا على رأي من يقول: " أن الحروب قائم أمرها على الفورية فلا تحتمل التأخير لا يترتب على التأخير من مفاسد يجب دفعها بالاجتهاد ". وهذا لا يخرجها عن كونها أمراً شرعياً.
وقد اتفقت جميع الطوائف على جواز الاجتهاد له صلى الله عليه وسلم في أمور الدنيا، ونص على هذا الاتفاق النووي في شرح صحيح مسلم، وذكره الشوكاني في إرشاد الفحول بلفظ الإجماع عن سليم الرازي وابن حزم.