الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في قوله تعالى (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا).
وأما أنَّهَا من عتاب التحذير فلأن ما فيها من شدة النهي يتضمن تحذير النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون منه ما لم يكن خشية أن يقع ما هو أكثر منه.
وفي هذا التحذير عناية برسول الله صلى الله عليه وسلم في توجيه رسالته وإظهار منهجه في تبليغها ولبيان أن رفعة الشأن عند الله ونيل شرف القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ينالهما الناس باستجابتهم لله تعالى بإخلاص العبادة له وبإتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس بما يتمتعون به في هذه الحياة الدنيا من مال وجاه وسلطان.
ولما كان رسول الله من أسوة لأمته في الدعوة إلى الحق كان ذلك تحذيراً للأمة وإقامة لوجهها على المنهج الذي مضى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بتعليم الله وتوفيقه وتسديده.
* * *
(النهي عن استبقاء الأسرى)
ومن آيات هذا النوع من العتاب أيضاً قوله تعالى من سورة الأنفال (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68)).
وقد جاءت هاتان الآيتان في سياقهما من سورة الأنفال بعد أن أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بتحريض المؤمنين على القتال وحثهم على الاستبسال، والصبر فيه تقوية لعزائمهم على خوض المعركة والثبات في ميدانها لمواقفة المشركين والانتصار عليهم، وبشَّرهم أن العشرين الصابرين منهم يغلبون مائتين من أعدائهم، وأن مائة منهم يغلبون ألفاً من الذين كفروا، وذلك لأن المؤمنين يقاتلون متوكلين على الله تعالى طالبين نصره ورضاه، هدفهم إعلاء كلمته ونصرة دينه وإقامة شريعته بين جميع البشر، فهدفهم من القتال واضح، أما الكافرون فيقاتلون المؤمنين تعالياً وإفساداً فى الأرض وطمساً لمعالم الحق والهدى فيها، فلذلك فإنهم لا يفقهون للقتال غاية في معرفة الحق والاهتداء إليه، ولا يعرفون له هدفاً في إصلاح الحياة وإقامتها على الإحسان والعدل، لأنَّهم يقاتلون لرغائبهم الشخصية وإشباع شهواتهم من زينة الحياة الدنيا ومتاعها، وهذا هدف لا يقوم على دعائم ثابتة، وسرعان ما تعصف به رياح الحق، ولذا وصفهم الله تعالى (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ) وهذا وصف لهم بالغباء والجهالة وتقديم شهوات الحياة الدنيا الفانية على الآخرة الباقية.
ولما لم يكن جميع المؤمنين في الصبر واحتمال فوادح الكفاح والنضال على غرار أولئك المتقدمين من أهل بدر -وهم الرعيل الأول الذين لم يلحق بهم أحد ممن جاء بعدهم في أجر ولا فضل- أعلمهم الله تعالى أنه خفف عنهم فجعل على الواحد منهم مقابلة اثنين من الكافرين، وأنه تعالى مع الصابرين.
ولما كان الأمر بالتحريض على القتال، وبيان قدرة المؤمنين على غلبة عدوهم في مقابلة المؤمنين لأكثر من عددهم مقتضياً ألا يبقوا على عدو جاء ساحة القتال. قال تعالى:(مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ. . .) الآية.
أما بحث تركيب (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ) فقد استوفيناه عند الحديث على قوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) من سورة التوبة.
وإجمال ذلك أن هذا التركيب المؤلف من (ما) النافية الداخلة على (كان) المقرون خبرها بلام الجحود يحتمل معنيين:
الأول: التبرئة والتنزيه، وعدم الوقوع.
الثاني: النهي الضمني عن أن يقع متعلق الخبر.
ومعنى الآية على الوجه الأول: أن الله يبرئ نبيه صلى الله عليه وسلم وينزه ساحته عن أن يكون له قصد في أخذ الأسرى وإنهاء المعركة قبل الإثخان في الأرض.
ويجوز -على الوجه الثاني- أن يكون المراد نهيه صلى الله عليه وسلم عن أن يكون له أسرى قبل الإثخان في الأرض والمبالغة في إضعاف قوة العدو، وإن كان النهي لا يستلزم وقوع المنهي عنه من المخاطب لجواز أن يكون وقوع المنهى عنه كان ممن له صلة تبعية بالمخاطب، ويؤيد هذا " أن في التنكير -أي تنكير نبي في قوله (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ) - إبهاماً في كون النفي لم يتوجه عليه معيناً تلطفاً به صلى الله عليه وسلم وإشارة إلى أن هذا سنة من سنن الله تعالى مع