الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلا حجة فيه لمن يتمسك بمدنية الآية لأنه كما " لا يخفى ليس بنص في المقصود كما قال الألوسي في تفسيره.
وهي رضي الله عنها تحدثت مرة أخرى عما رأته وشاهدته وكانت فيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل رواية الإمام أحمد " وهي إلى جنبه ".
* * *
(وثوق الرسول صلى الله عليه وسلم بعصمة الله له)
ومما يؤيد القول بمكيتها ما كان يجابه الرسول صلى الله عليه وسلم به المشركين من شديد القول ومؤلم الزجر والإنذار، وبروزه وتعرفه لهم في ساعات استطارة الشر واستعار الغضب غير هائب ولا خائف منهم ذلاً ولا غلبة، فقد قال صلى الله عليه وسلم لابنته زينب رضي الله عنها لما بكت عليه حين رأت إطباق المشركين على أذاه وتطاولهم عليه في مجمع من الناس بمكة في موسم حج من مواسمها فجاءته مذعورة تحمل إليه ماء وقد بدا نحرها من شدة الخوف عليه - مطمئناً إياها:" يا بنية خمري عليك نحرك ولا تخافي على أبيك غلبة ولا ذلاً " وفي عيون الأثر وسيرة ابن هشام " يا بنية لا تبكي فإن الله مانع أباك ".
فهذا يدل بما لا مجال للريب فيه أنه صلى الله عليه وسلم كان على يقين من عصمة الله تعالى له من جميع ما يكيدون ويدبرون.
* * *
ظهور القول بمكية (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)
وأيضاً فإن القول بمدنية هذه الآية مع ما في أسلوبها من شدة الأمر بالتبليغ والتحريض عليه والتوعد على التقصير فيه يتنافى مع ما كان عليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة من عزة ومنعة مكنته من الوفور على التبليغ ونشر الدعوة بقوة ونقلها إلى خارج المدينة التي هو فيها سيد الموقف وبيده المبادأة متى أرادها. بل كيف يتأتى القول أن تترك عليه آية العصمة من الناس في المدينة وهو للعصمة أحوج في مطلع الرسالة منه إليها في آخرها وسورة " المائدة من آخر القرآن تنزيلاً
…
".
وتأييده صلى الله عليه وسلم في المدينة بالمؤمنين ظاهر في قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) فلا معنى لإخباره -على القول بمدنية آية العصمة من الناس- بعصمته من الناس وقد عرفه قبلاً أنه مؤيد بنصره وبالمؤمنين.
وتعليل ابن كثير نكارة حديث جابر بن عبد الله - في بعث أبي طالب حراساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - بأن " هذه الآية مدنية وهذا الحديث يقتضي أنها مكية " غير مسلم لأن دعواه مدنية هذه الآية لم يقم عليها دليلاً سوى ما يظهر من أنها موجودة في نظم التلاوة في سورة مدنية.
ووجود الآية في سورة مدنية لا يستلزم كونها مدنية، لأن كثيراً من الآيات المكية وضعت توقيفاً منه صلى الله عليه وسلم في سور مدنية وكثيرًا من الآيات المدنية وضعت توقيفاً في سور مكية.
وبهذا أيضاً يرد على القرطبي فيما ذهب إليه من أن حديث ابن عباس رضي الله عنهما -الذي سبق أن سقناه- يقتضي مكية هذه الآية والسورة مدنية بإجماع. فمدنية السورة لا يمنع من وجود آية أو آيات مكيات فيها.
ودعوى أبي حبان في البحر أن مكية هذه الآية يجعلها أجنبية بالنسبة لما قبلها وما بعدها لأنه في قصة اليهود والنصارى - في مسلمة أيضاً لأن وجود آية بين آيات منسجمة معها في المعنى متسقة في الربط والتناسب لا يلزمه اتحاد زمن نزول هذه الآيات إذ كثيراً ما تكون الآية مكية لكنها مناسبة لمعاني آيات مدنية اقتضت وضعها بينها توقيفاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبهذا البيان الذي صور حالة الرسول صلى الله عليه وسلم في مطلع رسالته وموقف أعدائه المشركين منه ومن دعوته وانتصابهم لإيذائه وإيذاء أصحابه وإقامة العوائق أمامه في دعوته وما كان يضيق به صدره الشريف -بما ينزل عليه من آيات تعيب المشركين وتسفه أحلامهم، وأحلام آبائهم وتعيب آلهتهم- من أمره بتبليغ رسالته مهما يكن فيها من شدة على المشركين يفهم ما جاء في آيات وصفت ضيق صدره صلى الله عليه وسلم بما أنزل إليه من ربه ونهيه عن هذا الضيق وهي التي أطلقنا عليها آيات عتاب التوجيه.