الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لما يعلمه من بركاتها، وما فيها من مشاق ومتاعب تستدعي أكمل الاستعداد، وأخذ الأهبة لسفر بعيد ومشقات قاسية، إذ ختمت بها غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبها أخرج أمته من ضيق مجال الدعوة في داخل الجزيرة العربية إلى عموم مجالاتها في أقطار الأرض.
* * *
(إظهار نوايا المنافقين للتحذير منهم)
ولما كان المنافقون مندسين في مجتمع المؤمنين بما يظهرونه من شعائر الإسلام، وكانوا على عزيمة ألا يخرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الغزرة جبناً وخوراً وفرقاً من ملاقاة العدو -وهذا على خلاف ما كان عليه خلص المؤمنين رغم تثاقلهم إلى الأرض، لما احتف بهم من الشدة، ولكنهم كانوا قد راجعوا أنفسهم، وصمموا عزائمهم على الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهما لاقوا من الشدة والأزمات- بيّن الله حال المنافقين بأنهم إنما يريدرن الدنيا وغنائمها وأنهم أوهن من أن يتحملوا مشقات الجهاد وأسفاره، فلو كان ما دعوا إليه عرضاً من أعراض الدنيا ينالونه من قريب، وغنيمة حاضرة يحصلون عليها دون مشقة في سفر قريب، وموضع سهل لاتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم وهم مضمرون للتخلف عنه، ولكنهم لا يتخلفون عن عرض من أعراض الدنيا وغنائمها فقال الله تعالى فيهم يفضحهم ويكشف سترهم (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42)).
وقد أكد ذلك إخباراً بالغيب ومعجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم سيحلفون لو استطاعوا لخرجوا معه وهم بهذا الحلف يهلكون أنفسهم، كاذبين مفترين.
ولقد كان المنافقون على عزيمة استئذان رسول الله صلى الله عليه وسلم في التخلف والقعود بأعذار زائفة وهم مضمرون للقعود سواء أذن لهم أم لم يأذن لهم فيه فقد قالوا: " استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أذن لكم فاقعدوا، وإن لم يأذن لكم فاقعدوا ".
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على يقين من العلم بأن المنافقين المندسين في مجتمعه مفسدون جبناء يرتعدون فرقاً من ملاقاة العدو، يحاولون أن يخذلوا الجيش الإسلامي، ويفسدوا أمره بإحداث الفتن والقلاقل والاضطرابات والتخويف فأسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإذن لهم بالقعود دون أن يتلبث بهم حتى ينكشف سترهم وينفضح أمرهم، ويظهر الصادق من الكاذب.
ولما كانت هذه الغزوة من أعظم غزوات الإسلام عدداً وعدة، ونهاية خاتمة لغزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه أراد الله تعالى أن يجعلها امتحاناً يكشف به أمر المنافقين ويفضح خبايا ضمائرهم ليتميز الصادق من الكاذب، ويخلص المجتمع الإسلامي من الجبناء الرعاديد ولا يبقى فيه إلا ْكل شجاع صنديد، قال لرسوله صلى الله عليه وسلم (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43)).