الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم أخبر تعالى عن القائمين بالباطل والخيانة في هذه الحادثة بأنهم إذ كسبوا الإثم ورموا به البريء فقد احتملوا جريمة البهتان والإثم المبين فقال تعالى (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112)).
* * *
(قطع أطماع المنافقين في حجب الحقيقة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم عقب الله تعالى هذه الآيات بما امتن به على رسوله صلى الله عليه وسلم من عصمته أن ينالوا بخداعهم ومكرهم منه شيئاً أو يضروه بشيء مما هموا به من الضلال والإفساد فقطع بذلك -إلى الأبد- أطماع الذين يظنون أن في استطاعتهم حجب الحقيقة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحجبونها عن غيره من الناس، كما عقب ذلك بمنة أخرى وهي إظهار فضل الله عليه وتعليمه ما لم يكن يعلم، وكان ذلك من عظيم فضل الله على رسوله وفي ذلك يقول الله تعالى:(وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)).
قال السيد محمد رشيد رضا في تفسير المنار: " وهذه الآية ناطقة بأنه صلى الله عليه وسلم لم يجادل عنهم ولا أطمعهم في التحيز لهم قبل نزول الوحي ولا بعده بالأولى ".
ثم نقل عن أستاذه الشيخ محمد عبده في تعقيب هذه الآيات قوله: " كان الكلام في المختانين أنفسهم ومحاولتهم زحزحة الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحق، وقد أراد الله تعالى بعد بيان تلك الأوامر والنواهي وتوجيهها إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبين فضله ونعمته عليه، قال الأستاذ: ولا يصح تفسير الآية بما ورد من قصة طعمة لأنه على ما روي قد هم هو وأصحابه بإضلال النبي صلى الله عليه وسلم عن الحق الذي أنزله الله عليه، وهو تعالى يقول إنه بفضله ورحمته عليه قد صرف نفوس الأشرار عن الطمع في إضلاله والهم بذلك، وذلك أن الأشرار إذا توجهت إرادتهم وهممهم إلى التلبيس على شخص ومخادعته ومحاولة صرفه عن الحق فلابد له أن يشغل طائفة من وقته لمقاومتهم وكشف حيلهم وتمييز تلبيسهم وذلك يشغل المرء عن تقرير الحقائق وصرف وقت المقاومة إلى عمل آخر صالح نافع ولذلك تفضل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم ورحمه بصرف كيد الأشرار عنه حتى بِالهمِّ بغشه وزحزحته عن صراط الله الذي أقامه عليه ". أ. هـ.
وهذا إيجاز لما فصلناه فيما سبق من تفسير الآيات.
والذي نفاه الأستاذ محمد عبده من عدم صحة تفسير الآيات بقصة طعمة يقصد به ما أورده جمهور المفسرين والمحدثين من قصة ذكروها في أسباب النزول تنسب إلى رجل من بني أبرق يقال له بشر واشتهر بطعمة وهو متهم بالنفاق وكان يقول الشعر يهجو به المسلمين وينسبه إلى بعض شعراء العرب، وجملة القصة -في إيجاز كما أوردها الترمذي.
والطبري وغيرهما- أن هذا الرجل نقب مشربة لرفاعة بن زيد وسرق منها أدرعاً له وطعاماً فذهب قتادة ابن أخي رفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه بني أبيرق، ويخبره بما وقع من السرقة. قالت الرواية " فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:" سأنظر في ذلك " فلما أحس بنو أبيرق بأن الأمر وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له: " يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه عمدوا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينه ولا ثبت قالت الرواية: " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتادة بن النعمان: " عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير ثبت وبينه " ولم يلبث أن نزل القرآن بهذه الآيات.
وقد علق الترمذي على هذه القصة بعد أن أوردها بقوله: " هذا حديث غريب لا نعلم أحداً أسنده غير محمد بن سلمة الحراني وذكر أن سائر رواياتها الأخرى مرسلة ".