الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الذنوب صغائرها وكبائرها
بعد أن حققنا القول في وجوب عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في التبليغ وتنوع الذنوب إلى صغائر وكبائر، وبَانَ لنا أن جميع أهل الشرائع والملل مجمعون على وجوب عصمتهم فيما يبلغونه عن الله تعالى من الأحكام والشرائع، ننتقل إلى الكلام في سائر الذنوب والمعاصي، وهل هي جائزة عليهم - عليهم الصلاة والسلام -؟.
وهنا نجد العلماء قد قسموا الذنوب -ما خلا الكفر، وقد سبق التدليل على عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من قبل البعثة وبعدها بإجماع الأمة كافة- إلى صغائر وكبائر.
أما الكبائر فقال القاضي عياض: " أجمع المسلمون على عصمة الأنبياء من الفواحش، والكبائر الموبقات ". وقد صرح بهذا الإجماع المازري - فيما نقله عنه النووي - في قوله: " فهو صلى الله عليه وسلم معصوم من الكبائر بالإجماع " وابن عطية -في تفسيره- حيث قال: " وأجمعت الأمة على عصمة الأنبياء. . من الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة "
ونقله عنه أبو حيان في البحر.
وممن صرح بعصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الذنوب إمام الحرمين في الإرشاد حيث قال: " وتجب عصمتهم عن المعاصي والذنوب المؤذنة بالسقوط، وقلة الديانة إجماعاً ".
وقول إمام الحرمين هذا وإن ظهر أنه أعم من الدعوى فهو منتج لها لأن العام يدل على الخاص وغيره، وقد صرح إمام الحرمين عقب سوقه هذا الكلام بقوله " أما الذنوب الصغائر. . الخ " مما يشعر بأنه أراد بكلامه هنا عصمتهم من الكبائر وصغائر الخسة، وسنعرض لنصه عن الذنوب الصغائر في موضعه إن شاء الله تعالى.
وقد اختلفوا في مستند هذا الإجماع، فالجمهور على أن مستنده نفس الإجماع،: ذهب القاضي الباقلاني إلى أن مستند عصمتهم من الكبائر السمع مضافاً إلى الإجماع نفسه " قبل ظهور المخالفين في ذلك ".
ويرى أبو إسحاق الإسفرائيني أن مستنده العقل مضافاً إلى الإجماع قال القاضي عياض: " وهو قول الكافة ".
وفي عموم الكافة دخل المعتزلة القائلون بهذا الإجماع، وأن مستنده العقل، قال القاضي عبد الجبار:" يبين ذلك أنَّهم لو بعثوا للمنع من الكبائر، والمعاصي بالمنع والردع، والتخويف، فلا يجوز أن يكونوا مقدمين على مثل ذلك لأن المتعالم أن المقدم على الشيء لا يقبل منه منع الغير منه ".
ظهر لنا مما سبق أن الإجماع منعقد على القول بعصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من كبائر الذنوب، ونأتي الآن إلى الكلام عن عصمتهم من صغائرها.
وقد قسم العلماء صغائر الذنوب إلى صغائر خسة، وصغائر غير خسة. فصغائر الخسة هى التي ينسلك بها فاعلها مع الأراذل والسفلة لإشعارها بدناءة الهمة، ووضاعة النفس، ومن أمثلتهم لها سرقة شيء تافه أو تطفيف القليل.
وقد نقل الشوكاني -في إرشاد الفحول- عن الأصوليين أنهم " حكوا الإجماع على عصمتهم بعد النبوة مما يزري بمناصبهم كرذائل الأخلاق والدناءات، وسائر ما ينفر عنهم، وهي التي يقال لها صغائر الخسة كسرقة لقمة أو التطفيف بحبة ".
ونقل ابن عطية -في تفسيره- إجماع العلماء على عصمة الأنبياء " من الصغائر التي هي رذائل "، ومنع المتكلمون صدورها من الأنبياء مطلقاً ولو سهواً.
ونقل القاضي عياض عن بعض الأئمة قوله " أن الأنبياء معصومون عن الصغائر المؤدية إلى إزالة الحشمة، والمسقطة للمروءة، والموجبة الإزراء والخساسة " قال: " فهذا مما يعصم عنه الأنبياء إجماعاً، لأن مثل هذا يحط منصب المتسم به ويزري بصاحبه، وينفر القلوب عنه، والأنبياء منزهون عن ذلك ".
أما صغائر غير الخسة، فقالوا إنها التي لا تشعر بنقص، ولا تلحق بفاعلها معرة.
ومما لا ريب فيه أن كل ذنب مهما صغر لا بد من إشعاره بنقص، ويلحق صاحبه المعرة عند أهل التقوى لوجوب التوبة منه، وهي ندم يشعر بالنقص والمعرة فلا يصح القول بنسبة الصغائر إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
وقد ذكر القاضي عياض أن العلماء إزاء تجويز هذا النوع من الصغائر على الأنبياء ثلاث فئات:
الفئة الأول أجازت صدور هذه الصغائر عن الأنبياء ووقوعها منهم، وقد نسب هذا المذهب إلى جماعة من السلف وغيرهم من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين " وذكر منهم أبا جعفر الطبري.
ونسب ابن حزم هذا القول -في الفصل- إلى ابن فورك، ونسبه السعد -في شرح المقاصد- لإمام الحرمين من الأشعرية، وأبي هاشم من المعتزلة.
وذكر الشوكاني أن العلماء اختلفوا في تجويز الصغائر غير الخسية على الأنبياء، وإذا جاز وقوعها عليهم، فهل وقعت منهم أو لا؟.
فذكر أن إمام الحرمين، والكياالهراسى، وابن الحاجب نقلوا القول بالجواز العقلي عن الأكثرية، وأن إمام الحرمين، وابن القشيري نقلا القول بعدم الوقوع عن الأكثرين كذلك.
وقال إمام الحرمين: " وأما الذنوب الصغائر فلا تنفيها العقول ولم يقم عندي دليل قاطع على نفيها، ولا على إثباتها، إذ القواطع نصوص أو إجماع، ولا إجماع، إذ العلماء مختلفون في تجويز الصغائر على الأنبياء، والنصوص التي تثبت أصولها قطعاً، ولا يقبل فحواها التأويل غير موجودة والأغلب على الظن عندنا جوازها ".
وقد تمسك القائلون بوقوع الصغائر منهم بظواهر من القرآن الكريم وبعض الأحاديث الصحاح التي ذكر فيها ما يشعر بوقوع الخطيئة من بعض الأنبياء كحديث الشفاعة الذي جاء فيه أن كل نبي " يذكر خطيئته التي أصاب " وبورود طلب الاستغفار منهم وطلبهم التوبة عليهم.
ولا نطيل بذكر ما استدلوا به لئلا يَندَّ بنا البحث عما رسم من أجله وقد وفت مطولات كتب الكلام، والعقائد هذا الموضوع حقه من بسط