الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكهف في قوله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)).
فالقصة واحدة تتعلق بطلب فجار الكفرة من المشركين إبعاد الصفوة الفقراء من المؤمنين عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليستأثررا به استكباراً وعلواً واحتقاراً لضعفاء المؤمنين.
* * *
(الربط بين آية سورة الأنعام وآية سورة الكهف الناهيتين عن طرد الذين يدعون ربهم)
فآية الأنعام كانت بدءاً للقصة بالنهي عن طرد الصفوة وإبعادهم عن مجلسه صلى الله عليه وسلم، وآية الكهف كانت ختاماً للقصة بازدياد حفاوة الله تعالى وحفاوة رسوله صلى الله عليه وسلم بالصفوة الضعفاء من المؤمنين، أن يحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه معهم حتى يشبعوا رغباتهم من حديثه والأخذ عن منهجه في التربية والسلوك.
* * *
(اختصاص الله بعلم الغيب وانفراده بالحكم في خلقه)
وقد رردت هذه الآية الكريمة في موضعها من سورة الكهف بين آيتين من آيات هذه السورة تأمر الآية السابقة لها - وهي قوله تعالى: (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) - رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلاوة مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّه في هذا الكتاب تلاوة تبليغ وتعبد واستمساك به، واتباع له وإعلان له على الدنيا كلها دون حذر ولا مبالاة بأحد من الناس، لأن هذا الكتاب هو آخر كتاب ينزله الله على بشر، فلا مبدل لكلماته ولا مغير لشيء منها
ولن يتبع الحق أهواءهم في قولهم (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ) إذ كلمات هذا الكتاب هي السبيل والملجأ لهداية البشر أجمعين.
وفي قوله تعالى: (وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) إخبار لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لو ترك -وحاشاه من ذلك- كلمات هذا الكتاب فلن يجد غيره من الكلمات هادياً ومرشداً يلجأ إليه " في البيان والإرشاد "، إذ لا بيان لمصالح العباد كبيان الله تعالى العليم الخبير، ولا إرشاد لهم كإرشاده تعالى وهدايته وهو الرءوف الرحيم بهم.
وهذا الذي قاله في هذه الآية (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ) الآية، هو مضمون ما ختمت به آخر آية من آيات قصة أهل الكهف وهي قوله تعالى:(قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)).
المفيد لاختصاص الله تعالى بعلم غيب السماوات والأرض الذي يدخل فيه علم ما جرى لأهل الكهف، وترك التماري في أمرهم لأنه مما اختص الله تعالى بعلمه، وانفراده بالحكم في خلقه فلا يشركه في ذلك أحد من خلقه.
وهذا فيه إفراد لله تعالى بإحاطة علمه وإفراده بوحدة الحكم بين عباده.
وهذا هو ما تضمنه الكتاب الكريم المنزل على خاتم النبيين الذي أمره الله فيه بتلاوته تبليغاً واتباعاً له وتعبداً واستمساكاً به، وعدم تركه لأنه
لا يوجد كتاب غيره يجمع ما جمع من الهدى والنور والخير.
ومن هنا كان آخر كتاب ينزل من السماء لا مبدل لكلماته ولا مغير لمحكماته.
ولما كان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلاوه الكتاب الذي أوحى إليه، والاستمساك به الذي لا مبدل لكلماته مقتضياً للحفاوة بالمؤمنين به ولا سيما الذين تبتلوا في محاريب الإيمان منقطعين إلى الله تعالى يبتغون وجهه لا يريدون شيئاً من زينة الحياة الدنيا وزخارفها ومقتضياً لإبعاد الظالمين المستغرقين في الدنيا وزخارفها المحقرين لصفوة المؤمنين، وهذه الحفاوة بهؤلاء الصفوة من عباد الله المخلصين تتمثل في أن يصبر النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على الجلوس معهم وفي إعراضه عن الظالمين المستكبرين من المستغرقين في الدنيا وزينتها.
وقد جاء الأمر بطريق الاستئناف المشعر بأن هؤلاء الصفوة أحقاء بالقرب والتقريب فقال تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ. . .) الآية، أمراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحبس نفسه ويقصرها على مجالستهم وتعليمهم إعلاء لمنزلتهم عند الله تعالى ولمكانتهم من الإيمان بالرسالة وإخلاص العبودية لله تعالى ابتغاء وجهه لا يريدون زينة الحياة الدنيا ولا يحبون أن يكونوا من أهلها.
وقد أكّد الله تعالى ذلك بنهيه صلى الله عليه وسلم أن تتجاوز عيناه النظر إلى أولئك الصفوة من المؤمنين طلباً لإسلام الكبراء من العظماء والأعيان والأغنياء من أئمة الكفر ورؤوس الباطل طمعاً في إيمانهم وإيمان أتباعهم ومن يسيرون في ركبهم وظلهم من عامة الناس الذين يتبعون كل ناعق لا يريدون من الحياة