الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(توجيه العتاب إلى من تعجلوا أخذ الغنيمة ولم يثخنوا في العدو)
وما في هذه الآيات -موضع البحث- من عتاب موجه لمن تعجلوا أخذ الغنيمة واشتغلوا بجمعها وليس على مجرد أخذها، وإنما لكون الاشتغال بجمعها كان سبباً في ترك الإثخان في العدو الذي قد يعطيه اشتغال المجاهدين من المسلمين بجمع عرض الدنيا فرصة التجمع ولم الشمل واستعادة الهجوم على المسلمين مرة ثانية فيضيع النصر من أيديهم ويبغتوا بما لم يحسبوا له حساباً.
والذي دعانا لضم هذه الآية إلى آيات العتاب مع أنه لا عتاب فيها لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أوضحناه فيما سبق ما درج عليه المفسرون وغيرهم من ذكرها مثالاً للعتاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وما ورد من روايات وأسباب للنزول يؤيدون بها ما يقولون وقد بينا -فيما سبق- وجهة نظرنا في أقوى وأصح ما استدلوا به.
* * *
(وجه القول بأن في الآية عتاباً)
على أن بعض الأئمة -من الذين يرون أن في الآية عتاباً أخذا بظاهر رواية مسلم- رجحوا مسلك النبي صلى الله عليه وسلم، واستدلوا له بأدلة قوية، ومن هؤلاء العلامة ابن قيم الجوزية -في كتابه زاد المعاد- إذ يقول: " وقد تكلم الناس في أي الرأيين أصوب، فرجحت طائفة قول عمر لهذا الحديث، ورجحت طائفة قول أبي بكر لاستقرار الأمر عليه، وموافقته الكتاب الذي سبق من الله بإحلال ذلك لهم ولموافقته الرحمة التي غلبت الغضب ولتشبيه النبي صلى الله عليه وسلم له في ذلك بإبراهيم وعيسى وتشبيهه لعمر بنوح وموسى، ولحصول الخير العظيم الذي حصل بإسلام أكثر أؤلئك الأسرى، ولخروج من خرج من أصلابهم من المسلمين، ولحصول القوة التي حصلت للمسلمين بالفداء ولموافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر أولاً لموافقة الله له
آخراً حيث استقر الأمر على رأيه، ولكمال نظر الصديق فإنه رأى ما يستقر عليه حكم الله آخراً وغلبة جانب الرحمة على جانب العقوبة قالوا: وأما بكاء النبي صلى الله عليه وسلم فإنما كان رحمة لنزول العذاب بمن أراد بذلك عرض الدنيا، ولم يرد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ".
وقال الحافظ ابن حجر -في الفتح-: " وقد اختلف السلف في أي الرأيين كان أصوب؟ فقال بعضهم: كان رأي أبي بكر لأنه وافق ما قدر الله في نفس الأمر، ولما استقر الأمر عليه، ولدخول كثير منهم في الإسلام إما بنفسه، وإما بذريته التي ولدت له بعد الوقعة، ولأنه وافق غلبة الرحمة على الغضب كما ثبت ذلك عن الله في حق من كتب له الرحمة ".
وهؤلاء المختلفون إنما نظروا لحديث مسلم ولم ينظروا لحديث تخيير جبريل وهو ليس دون حديث مسلم في الصحة كما سبق أن ذكرنا حكم الحافظ ابن حجر عليه بالصحة عند الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وحديث تخيير جبريل ينفى نفياً قاطعاً ما جاء في حديث مسلم من البدء بمشاورة الصحابة قبل إخبارهم بالتخيير، وأن النبي صلى الله عليه وسلم هوى ما قال أبو بكر ولم يهو ما قال عمر.
وهذا إنما يعني ميل النبي صلى الله عليه وسلم إلى رأي أبي بكر لغلبة الرحمة عليه صلى الله عليه وسلم ويمنع قتل الأسرى لو أراده الصحابة، بل في بعض الروايات ما يدل على أكثر من ذلك في حق ما كان يسمع به النبي صلى الله عليه وسلم في الأسارى من المن عليهم