الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معنى العتاب
نظر المعنيون بدراسة البيان العربي وآدابه إلى مناهج التعبير وأساليب التخاطب التي ينقل بها المتكلم ما يروم التحدث به إلى غيره، فوجدوا أن هناك دوافع ومحرضات تحمل المتكلم على إظهار ما لديه من معان في نظم من القول تختلف أساليبه وفنونه بحسب اختلاف الموضوع الذي يراد فهمه وإفهامه طبقاً لمقتضى الحال، فليس مقام أداء الحقائق العلمية كأداء المعاني الأدبية، وليس أداء الحقائق التعبدية كأداء حقائق الترغيب والترهيب، وليس القول في المعاتبة كالقول في التغضب والهجران وهكذا في سائر مقامات الكلام إذ لكل مقام مقال كما يقول أرباب البلاغة.
* * *
تباين أسلوب الآيات المكية والمدنية في تربية الله للنبي صلى الله عليه وسلم
-
وقد عالج القرآن الكريم مقامات الكلام وأساليبه بحسب موضوعاتها فنرى اختلاف الأساليب المكية التي جاءت لإثبات العقيدة والبرهنة عليها ومجادلة المخالفين لها -في الأعم الأغلب- عن أساليبه في السور المدنية التي جاءت -في أكثر أحوالها ومناسباتها- لبيان الأحكام الشرعية والآداب الاجتماعية، والصفات الخلقية، وأحوال المجتمع السياسية، وأصول الحكم وغير ذلك.
ففي السور المكية نلمح شدة الأسلوب وقوة الأسر في العبارات وقصر الفقر والآيات، ونزولها على نحو من الاتساق النظمي ليكون مدخلاً لها إلى القلوب.
ونرى في السور المدنية هدوءاً في التعبير، وتفصيلاً في بيان الأحكام والشرائع.
ومن ثم نرى هذا الاختلاف في أسلوب آيات التربية الإلهية للنبي صلى الله عليه وسلم، فهي في الآيات المكية تحمل في طياتها قوة صارمة وتوجيهاً بليغاً، وذلك لحفز عزيمة النبي صلى الله عليه وسلم، وتقوية إرادته أمام مصادمة العناد الكافر ومجادلة الشرك والوثنية.
وفي الآيات المدنية تأتي آيات التربية للنبي صلى الله عليه وسلم وادعة هادئة موجهة كأنما هي سلاسل من العطف، والحنو الدافع إلى الامتثال.
وعلى هذا الأساس نجد أن آيات التربية والعتاب للنبي صلى الله عليه وسلم وما يجري مجراها مما جاء للنضح عن النبي صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه تجري في هذا المجرى فنجد مثلاً في سورة الحاقة وهي مكية قوله تعالى: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)). وفي سورة الإسراء وهي مكية أيضاً نجد قوله تعالى: (إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75). ونجد في مفتتح سورة عبس هذا اللون التربوي بأجلى صورة.
بينما نجد في سورة التوبة -وهي مدنية- قوله تعالى (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) وفي مفتتح سورة التحريم -وهي مدنية أيضاً- نجد قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1).