الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لم يذكر تخيير جبريل لأصحابه واكتفى بمشاورتهم تأنيْساً لهم بما يشمل جانبي التخيير لأن المشاورة لا تخرج عنهما، إذ هي لا تنتهى إلا بأحدهما القتل أو الفداء.
ْوإما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأهم بالمشاورة فلما اختلفوا فيما يفعلون بالأسرى دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزله فجاءه جبريل بالأمر بالتخيير.
* * *
(لا عتاب على الفداء ولا على أخذ الغنيمة)
ومما قدمنا يظهر أن أخذ الفداء لا عتاب عليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل أحاديث تخيير جبريل في أمر الأسرى، إذ لو كان أخذ الفداء موضع مؤاخذة ما جاء جبريل بالتخيير بينه وبين القتل، لأنه لا يخيّر بين جائز مطلق وبين مؤاخذ عليه، ولما صح التفريع على الآيتين بالأمر بالأكل مما غنموه حلالاً طيباً بقوله (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا) لأن الفداء ليس من الغنيمة، إذ الغنيمة هى ما يؤخذ من المحاربين بالقوة والقهر فالذي أخذوه في قوله (لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68)).
هو الغنائم التي شغلوا بجمعها عن الإثخان في القتل الذي كان الأولى والأجدر بهم أن يفعلوه.
والذي أحل الله لهم وأمروا بالأكل منه حلالاً طيباً هو الغنيمة بدليل قوله تعالى (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا) فلا ذكر للفداء في المؤاخذة في الآية الكريمة حتى يجعل محلاً للعتاب، ويؤيد هذا ما رواه البخاري من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أسارى بدر: " لو كان المطعم بن عدي حياً وكلمني
ْفي هؤلاء النتني لتركتهم له ".
وهذا يدل على أن لا عتاب على أخذ الفداء لعزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ترك الأسرى وإطلاقهم بدون فداء فيمالو كان المطعم بن عدي حياً وكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم.
ويؤيده أيضاً أنه سبق أن فادى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن كيسان مولى هشام ابن المغيرة وعثمان بن عبد الله بن المغيرة اللذين أسرتهما سرية عبد الله بن جحش الأسدي رضي الله عنه حين أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم -ومعه ثمانية من المهاجرين- إلى وادي نخلة بين مكة والطائف لرصد عير لقريش -وذلك قبل غزوة بدر الكبرى بأكثر من شهرين- فالتقوا بهم (في آخر يوم من رجب) من السنة الثانية من الهجرة فغنموا العير واقتادوا معهم الأسيرين إلى المدينة فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسيرين وقال أهل الكفر:
استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام، وأكثروا في ذلك فرد الله عليهم قولهم فأنزل (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ
سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)).
فقبض رسول الله من العير والأسيرين وأخذ الغنيمة وهي (أول غنيمة غنمها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام) ولم يعاتب الله تعالى أحداً على شىء من ذلك.
وممن قال إن أخذ الفداء من أسرى بدر لا عتاب عليه لسبق أخذه في سرية عبد الله بن جحش ولم يعاتبوا عليه -القاضي عياض ونقله- في الشفاء - عن القاضي بكر بن العلاء.
وعلى ذلك فلا عتاب لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء الأسرى يوم بدر لعدم العتاب على أخذه وأخذ الغنيمة فيما سبق هذه الغزوة أولاً، ولأن اختيار أخذ الفداء يوم بدر من الصحابة رضي الله عنهم كما في أحاديث تخيير جبريل.