الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(احتمالات ما يدل عليه الخطاب بهذه الآية الكريمة)
ثم قال تعالى: (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) وهي جملة حالية جاءت لتؤكد ما تضمنته جملة الحال الأولى (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ) لأن الإخفاء المعاتب عليه كأنه خشية من الناس لا تصلح أن تكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقامه العظيم، فجاءت الجملة الثانية (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) لتؤكد هذا المعنى، وتبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسارعة إلى الأخذ بما كان قد أعلم به أولاً حين أنجز له بقوله (زَوَّجْنَاكَهَا).
وفيها احتمال ثان وهو أن يكون عطف جملة (وَتَخْشَى النَّاسَ) على جملة (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ) من باب عطف السبب على المسبب، فإن إخفاء الإعلام بتزويجها له، وعدم الإسراع إلى إعلان ما أعلمه الله به وقوله لمولاه زيد " أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ " إنما كان سببه خشية قالة الناس من المنافقين ومرضى القلوب وأعداء الإسلام من اليهود والمشركين، لما في توهم من التشهر به من صد للناس الراغبين فِي دخول الإسلام وزعزعة لقلوب حدثاء الإيمان من أهل الإسلام.
وفيها احتمال ثالث يجعلها مستقلة بمعناها، والعطف فيها من عطف جملة على جملة كل منهما تفيد معنى مستقلاً وهو حمل معنى لفظ الناس في قوله تعالى (وَتَخْشَى النَّاسَ) -كما قال بعض المفسرين- على المؤمنين خشية أن يفتتنوا بما يقع من زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمطلقة دعيه لأن عدم زواج مطلقة الدعي كان عادة متأصلة في النفوس عميقة الجذور، وكان في المؤمنين حدثاء الإسلام من لم يرسخ الإيمان في قلوبهم فكانت خشية رسول الله صلى الله عليه وسلم -
على المؤمنين رحمة بهم أن يلقي الشيطان في أنفسهم شيئاً يأثمون به ويهلكون.
وإنما أوثر تعدية فعل الخشية إلى مفعوله بنفسه على هذا الوجه -دون تعديته بلفظ على المناسب للظاهر من الكلام- تضميناً للفظ الخشية معنى الحذر بمعنى تحذر فتنة الناس -أي المؤمنين- فترحمهم أن يقعوا في الفتنة.
ونظير هذا -في الخشية على المؤمنين أن يفتنوا- ما ورد في الحديث الصحيح مما رواه البخاري من أن صفية بنت حيي أم المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه وسلم أتت تزور رسول الله صلى الله عليه وسلم في معتكفه فتحدثت إليه ساعة ثم أرادت الإنصراف فقام معها حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة " مر رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: " على رسلكما إنما هي صفية بنت حيي " فقالا: سبحان الله يا رسول الله.
وكبر عليهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً ".
قال الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى -: - " إنما قال لهما ذلك لأنه خاف عليهما الكفر إن ظنا به التهمة فبادر إلى إعلامهما نصيحة لهما قبل أن يقذف الشيطان في نفوسهما شيئاً يهلكان به ".
فهذه الخشية كانت من قبيل الرحمة والإحسان إلى المؤمنين ليحفظ صلى الله عليه وسلم عليهم إيمانهم كما تضمنه كلام الإمام الشافعى.