الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسبق أن أوردنا من الأدلة على هذا ما فيه الكفاية.
وليس بدعاً أن يخاف رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه، وإعراضهم عن دعوة الحق التي بعثه الله بما، وفيهم من المكر والخديعة ما وصفهم الله تعالى به بقوله (وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) وقد كان من الرسل من أولى العزم قبله من كان يخاف تكذيب قومه لشدة ما كان يتوقعه منهم من تكذيب وأذى، كما حكى الله تعالى ذلك عن سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام بقوله تعالى:(قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ).
* * *
(الغرض من النهي عن الحرج من الإنذار بالقرآن)
فالنهي عن الحرج في آية الأعراف هذه بيان لما يجب أن يكون عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسارعة في تبليغ ما أنزل الله إليه مهما بلغ ما فيه من تنفير الكافرين وتباعدهم عنه، وما فيه من شدة عليهم لما اشتمل عليه من تسفيه أحلامهم الضالة عن هدى الله تعالى، وعيب آلهتهم وانتقاص آبائهم بما ارتكبوه من جريمة الشرك والإعراض عن توحيد الله.
كما أن النهي هنا يتضمن أمراً برفع الحرج من الصدر لأنه إذا لم يحرج صدره منهم استطاع تبليغهم ما أراده الله منه.
وتهيُّبه صلى الله عليه وسلم منهم مخالف لهذا الإيجاب، فلذلك نهاه الله تعالى نهياً متضمناً لسرعة الإقدام على التبليغ، والتذرُّع بالصبر والاحتمال لما يلقى من شدة الكافرين.
هذا جرْيٌ على تعلق قوله تعالى (لِتُنْذِرَ بِهِ) بالفعل المنهي عنه في قوله (فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ).
وجملة المعنى على هذا هو أن الله تعالى ينهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضيق صدره بالقرآن ليتحقق ما أنزل من أجله وهو الإنذار للمعاندين - الجاحدين والذكرى للمؤمنين الذي يستتبع بصد الكافرين وصدودهم عَنه تننفيرهم وابتعادهم عنه وترغيب المؤمنين وتذكيرهم بنعم الله عليهم ليستديموا موجبات الإيمان والشكر والثبات على الحق.
وفيه وجه آخر: وهو تعليق قوله (لِتُنْذِرَ بِهِ) بقوله (أُنْزِلَ إِلَيْكَ) وجاءت جملة النهي (فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) متوسطة بين السبب وهو " الإنذار " به والمسبب وهو " المنزل إليه " تقريراً لما قبله (وهو الإنزال إليه المقتضى عدم ضيق صدره منه)، وتمهيداً لما بعده وهو (لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ).
وجملة المعنى على هذا الوجه هو أن الله تعالى يخبر رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه أنزل إليه الكتاب لينذر به، وهذا مقتض للإلزام بالإنذار به فكأنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كتاب أنزل إليك لتنذر به فأنت بمقتضى رسالتك المعنونة بإنزال الكتاب إليك ملزم بالإنذار به مهما بلغت آياته من الشدة في تنفير الكافرين عنك.