الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكان الإثخان في القتل أحب إليَّ من استبقاء الرجال ".
وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على سعد بن معاذ ما رأى في وجهه من كراهية ما يصنع القوم فاستفسره عن ذلك فقال له: " كأني بك يا سعد تكره ما يصنع القوم؟ " فقال سعد: أجل يا رسول الله، وعلل سعد ذلك بأن هذه أول وقعة في الإسلام نصر الله فيها المسلمين على أعدائهم من المشركين فكان الإثخان في القتل أحب إليه من استبقاء الرجال.
* * *
(موضع العتاب من الآية)
وفيه دلالة على أن المعاتب عليه عدم الإثخان في القتل والإسراع إلى الغنيمة لا أخذ الفداء لأن سعداً أبان عن رأيه قبل الاستشارة في أخذ الفداء.
وقد جاء في الروايات الأخرى أن العذاب لو نزل ما نجا منه غير سعد وعمر رضى الله عنهما.
* * *
(المعاتبون بالآية)
وهذا كالصريح في أن أخذ الفداء من الأسرى لا عتاب عليه، وقد بيّن الله تعالى هذا بقوله (لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) فإنه تعالى لعظيم فضله وبالغ رحمه منع عذابه العظيم عن المؤمنين المجاهدين يوم بدر الذي استحقوه بما مالت إليه أنفسهم من الإسراع في جمع الغنائم والاشتغال بها وترك الإثخان في القتل وحس المشركين حين ظهروا عليهم في أول وقعة تلتقي فيها الفئة المؤمنة من صفوة أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم على قلة في العدد وضعف في العدة بجحافل الشرك ورءوس الطغيان الذين يفوقونهم أضعافاً عدداً وعدة.
وهذه الآية الكريمة (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) -كما هو ظاهر منها- لا تمنع الأسر وأخذ الفداء نهائياً ولكنها تقرر أنهما لا يكونان إلا بعد الإثخان في الأرض بظهور المسلمين على أعدائهم، وهى لا تتنافى مع آية سورة محمد -كما يقول الفخر الرازي- لأنه لا زيادة في حكم آية سورة محمد (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً) - على حكم هذه الآية لأن كلتا الآيتين متوافقتان " فإن كلتيهما تدلان على أنه لابد من تقديم الإثخان ثم بعد أخذ الفداء فلا نسخ إذن كما يزعم بعضهم.
ولكن بعض الصحابة رضي الله عنهم حين اشتغلوا بجمع الغنائم قدموا عرض الدنيا على الآخرة فخالفوا ما أراده الله تعالى لهم من عظيم الظهور وقوة الشوكة وشدة الرهبة في قلوب أعدائهم فيما لو سددوا إليهم الضربة القاصمة استئصالاً لشأفة الكفر والكافرين، إرهاباً لقلوب أعداء الله ورسوله وإظهاراً لقوة المؤمنين وتمكنهم من القضاء على أعدائهم في أول لقاء لهم معهم.