الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيغضب الله لهم غضبا لم يغضبه لشئ فيما مضى فيخرجهم إلى عين في الجنة وهو قوله رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ.
3 - [حول تهديد الله للكافرين بقوله سبحانه ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا
.. ]
قوله تعالى ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا .. فيه تهديد شديد ووعيد أكيد كقوله تعالى: قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (إبراهيم: 30) وقوله كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (المرسلات: 46) ولهذا قال: وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ أي عن التوبة والإنابة فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ أي عاقبة أمرهم ولنعد إلى التفسير.
إنّه بعد أن أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يدع هؤلاء الكافرين لما هم فيه ذكر تعليلات ذلك الأمر:
(1)
وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ أي مكتوب مَعْلُومٌ وهو أجلها الذي كتب في اللوح المحفوظ
ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها المحدّد في الكتاب وَما يَسْتَأْخِرُونَ عن هذا الأجل المضروب. أخبر الله عز وجل أنه ما أهلك قرية إلا بعد قيام الحجة عليها وانتهاء أجلها، وأنه لا يؤخر أمة حان هلاكهم عن ميقاتهم ولا يتقدمون عن مدتهم، فإذا كانت سنة الله كذلك فهؤلاء الكافرون المعاندون لك يا محمد سيأتيهم أجلهم، ومن ثم فدعهم فيما هم فيه ونحن نتولى شأنهم.
(2)
وعلة أخرى للأمر بتركهم: هي أقوالهم المتعنّتة التي تخرجهم عن طور استحقاق الدعوة والإنذار، لأن أقوالهم تخرجهم عن الاتزان والإنصاف
وَقالُوا أي الكفار يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ أي القرآن الذي تدعو إليه إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ والمعنى: إنك لتقول قول المجانين حيث تدّعي أن الله نزّل عليك الذكر
لَوْ ما أي هلا تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ أي يشهدون بصدقك إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فقوم هذا منطقهم: السباب، واقتراح خرق نظام الكون، لا يستحقون الاهتمام وإنما الترك، ومع ذلك فقد ردّ الله عليهم أقوالهم
ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ أي إلا تنزيلا ملتبسا بالحق والحكمة، إما بالرسالة وإما بالعذاب، والعذاب له أجل والرسالة لها أهلها وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ أي لو نزلنا الملائكة ما كانوا منظرين ولما تأخر عذابهم، هذا ردّ على طلبهم تنزل الملائكة، وأما اتهامهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنون بسبب تنزل الذكر عليه
فالردّ عليه
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ أي القرآن وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ أي من التغيير والتبديل، قال النسفي: وهو رد لإنكارهم واستهزائهم في قولهم (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) ولذلك قال (إِنَّا نَحْنُ) فأكد عليهم أنه هو المنزل على القطع، وأنه هو الذي نزله محفوظا من الشياطين، وهو حافظه في كل وقت من الزيادة والنقصان والتحريف والتبديل، بخلاف الكتب المتقدمة فإنه لم يتولّ حفظها، وإنما استحفظها الربانيين والأحبار فاختلفوا فيما بينهم بغيا فوقع التحريف، ولم يكل حفظه القرآن إلى غيره، وقد جعل قوله (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) دليلا على أنه منزل من عنده آية. إذ لو كان من قول البشر أو غير آية لتطرّق عليه الزيادة والنقصان كما يتطرق على كل كلام سواه، أو الضمير في (له) لرسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ) اهـ. فنسبة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الجنون مع أن هذا القرآن من عند الله، والأدلة قائمة على ذلك- يدل على أن هؤلاء وصلوا في الطغيان على الله ورسوله حدا لا يصلح معه إلا الترك.
(3)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رسلا فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ أي فرق السابقين، والشيعة: الفرقة إذا اتفقوا على مذهب وطريقة
وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ وإذن لم يزل دأب الأمم الماضية الاستهزاء بالرسل، فهؤلاء ماضون على سنن السابقين
كَذلِكَ أي كما سلكنا الكفر أو الاستهزاء في شيع الأولين نَسْلُكُهُ أي الكفر أو الاستهزاء فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ من هذه الأمة بسبب تحققهم بصفة الإجرام عقوبة لهم
لا يُؤْمِنُونَ بِهِ أي بالله أو بالذكر وَقَدْ خَلَتْ أي مضت سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أي طريقتهم التي سنّها في إهلاكهم أو في شأنهم، ومن ثم فهؤلاء الذين هذا شأنهم، وهذا حالهم، لا يطمع بإسلامهم، ومن ثم فذرهم يأكلوا ويتمتعوا
…
(4)
وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ أي ولو أظهرنا لهم أوضح آية وهو فتح باب من السماء فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ أي يصعدون
لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا أي حيّرت أو حبست من الإبصار، أو سدّت، أو أخذت أو شبّه عليها بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ فما يحدث لنا ليس حقيقة، والمعنى: أن هؤلاء المشركين بلغ من غلوهم