الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا النص لا يحدد زمانا. ووعد الله بمعنى: وعده بدك السد ربما يكون قد جاء منذ أن هجم التتار، وانساحوا في الأرض، ودمروا الممالك تدميرا.
وفي موضع آخر في سورة الأنبياء: حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ* وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ
…
(الآية: 96)
وهذا النص كذلك لا يحدد زمانا معينا لخروج يأجوج ومأجوج، فاقتراب الوعد الحق بمعنى اقتراب الساعة قد وقع منذ زمن الرسول- صلى الله عليه وسلم فجاء في القرآن:
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ والزمان في الحساب الإلهي غيره في حساب البشر.
فقد تمر بين اقتراب الساعة ووقوعها ملايين السنين أو القرون، يراها البشر طويلة مديدة، وهي عند الله ومضة قصيرة.
وإذن فمن الجائز أن يكون السد قد فتح في الفترة ما بين: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ويومنا هذا. وتكون غارات المغول والتتار التي اجتاحت الشرق هي انسياح يأجوج ومأجوج.
وهناك حديث صحيح رواه الإمام أحمد عن سفيان الثوري عن عروة عن زينب بنت أم سلمة عن حبيبة بنت أم حبيبة بنت أبي سفيان، عن أمها حبيبة، عن زينب بنت جحش- زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: استيقظ الرسول صلى الله عليه وسلم من نومه وهو محمر الوجه وهو يقول: «ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا» وحلّق (بإصبعيه السبابة والإبهام). قلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟
قال: «نعم إذا كثر الخبث» .
وقد كانت هذه الرؤيا منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا ونصف قرن. وقد وقعت غارات التتار بعدها، ودمرت ملك العرب بتدمير الخلافة العباسية على يد هولاكو في خلافة المستعصم آخر ملوك العباسيين. وقد يكون هذا تعبير رؤيا الرسول- صلى الله عليه وسلم وعلم ذلك عند الله. وكل ما نقوله ترجيح لا يقين) اهـ كلام صاحب الظلال.
التفسير:
وَيَسْئَلُونَكَ السائلون هم كفار مكة امتحانا بإيحاء من اليهود كما مرّ معنا في سبب نزول سورة الكهف عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ أي عن خبره قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ أي من ذي القرنين ذِكْراً ثم بدأ يذكر شيئا عنه
إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي
الْأَرْضِ أي جعلنا له فيها مكانة واعتلاء، قال ابن كثير: (أي أعطيناه ملكا عظيما ممكّنا فيه من جميع ما يؤتى الملوك من التمكين، والجنود وآلات الحرب والحصارات.
ولهذا ملك المشارق والمغارب من الأرض، ودانت له البلاد، وخضعت له ملوك البلاد، وخدمته الأمم من العرب والعجم). وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أراده من الأغراض والمقاصد سَبَباً أي طريقا موصلا إليه، إذ السبب ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة، آتاه الله علم كل ما يلزمه مما يحتاجه الفتح، وتقتضيه السياسة، وغير ذلك، كما آتاه الوسائل. قال ابن كثير: يسّر الله له الأسباب أي الطرق، والوسائل إلى فتح الأقاليم والرساتيق والبلاد والأراضي، وكسر الأعداء، وكبت ملوك الأرض، وإذلال أهل الشرك، قد أوتي من كل شئ مما يحتاج إليه سببا
فَأَتْبَعَ سَبَباً أي لحق سببا، أي سار في عالم الأسباب، وكأن في هذا إشارة إلى أن تمكينه وأفعاله كلها في عالم الأسباب، وليست من باب الخوارق
حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ اتبع الأسباب التي توصله إلى المغرب، واتباعه الأسباب للوصول إلى المغرب، باتباعه منازل الأرض ومعالمها، واستقصائه المعلومات اللازمة لذلك قال ابن كثير: فسلك طريقا حتى وصل إلى أقصى ما يسلك فيه من الأرض من ناحية المغرب.
قال النسفي: أي منتهى العمارة نحو المغرب» حيث ترى الشمس هناك ساعة الغروب وكأنها تغرب في عين حمئة. وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ قال ابن كثير: أي رأى الشمس في منظره تغرب في البحر المحيط، وهذا شأن كل من انتهى إلى ساحله، يراها كأنها تغرب فيه .... والحمئة: مشتقة .... من الحمأة وهو الطين. أقول: فالآية تتحدث عن ما تشاهده العين، إذ ترى الشمس وهي تغرب من جهة البحر، فهو تصوير لرؤية ومشاهدة. ومن رأى الشمس وهي تغرب في المحيط الأطلسي، رأى دقة الوصف، هذا على القول أنه وصل إلى شاطئ المحيط. ويكون ذكر العين الحمئة تشبيها للبحر في لحظة غروب الشمس بالعين الطينية المائلة إلى السواد، وهناك احتمال أن يكون وصل إلى أرض مستنقعية واسعة جدا كانت موجودة في يوم من الأيام جهة المغرب.
وقد وصل إليها، ويحتمل أنه وصل إلى أرض بركانية كانت في أقصى المغرب، وكانت لا زالت تقذف بحممها عند وصوله، والجزم بشيء من ذلك صعب، ولنا عودة في الفوائد على الموضوع، والعبرة حاصلة على أي نوع من أنواع الفهم. إذ الوصول إلى جهة المغرب لم يكن إلا بعالم الأسباب كنموذج على عطاء الله من شاء من أمر الدنيا بغير حساب وَوَجَدَ عِنْدَها أي عند العين الحمئة، أو عند مغرب
الشمس قَوْماً أي أمّة من الأمم قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً هذا القول الموجّه لذي القرنين، هل كان إلهاما فيكون وليا؟ أو كان وحيا له فيكون نبيا؟ أو يكون وحيا بواسطة نبي معه فيكون صديقا؟ ليس عندنا ما نستطيع الجزم به. والآية تفيد أنه خيّر بين أن يعذبهم بالقتل إن أصرّوا على أمرهم، وبين أن يتخذ
فيهم حسنا بإكرامهم وتعليمهم الشرائع إن آمنوا، وقد يراد بالتعذيب القتل، وباتخاذ الحسن الأسر، لأنه بالنظر إلى القتل إحسان. قال ابن كثير: معنى هذا أن الله تعالى مكّنه منهم، وحكّمه فيهم، وأظفره بهم. وخيّره إن شاء قتل وسبى، وإن شاء منّ وهدى. فكان موقفه
قالَ أي ذو القرنين أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ أي بالقتل ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً أي عذابا ذا نكارة، وأي عذاب أفظع من النار، يعني أما من دعوته إلى الإسلام فأبى إلا البقاء على الظلم العظيم الذي هو الشرك، فذاك هو المعذّب في الدارين
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً أي عمل ما يقتضيه الإيمان فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى أي فله الحسنى أي الجنة جزاء عند ربه وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً أي ذا يسر، أي لا نأمره بالصعب الشاق، ولكن بالسهل المتيسّر من الزكاة والخراج وغير ذلك. دلّ ذلك على إيمانه بالله واليوم الآخر، كما دلّ على عدله، وعلى أن القوة لم تخرجه إلى البطر، بل كانت قوته في خدمة دين الله ودعوته. كما دلّ على كمال رحمته وشفقته برعيته المؤمنة. فهو نموذج للملك المسلم الذي عنده من عالم الأسباب غايته، فهو لا يفرط في الآلات ولا في الوسائل، ويستخدم ذلك كله في الجهاد، ويعامل أعداء الله بما يستحقون، ويعامل رعيته المسلمة بكمال الرحمة والشفقة
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً أي ثم سلك طريقا فسار من مغرب الشمس إلى مطلعها.
والظاهر أنه كلما مرّ بأمّة قهرهم وغلبهم، ودعاهم إلى الله عز وجل. وفعل بهم فعله الأول، واستخدم من كل أمة ما تستعين به جيوشه على قتال الإقليم المتاخم لهم. فهذا كله يمكن أن يفهم من السياق
حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ أي حتى إذا بلغ أقصى الشرق وَجَدَها أي الشمس تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ أي على أمة لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً أي من دون الشمس، وهذا يحتمل أنهم ليس لهم بناء يكنّهم، ولا أشجار تظلهم، وتسترهم من حر الشمس، فكأن الأرض صحراوية، ويحتمل أنهم كانوا عراة فهم كانوا متخلفين جدا. فإذا كان المراد بهؤلاء القوم من هم في أقصى الشرق وهم الصينيون، فينبغي أن يكون زمن ذي القرنين سحيقا في القدم، إذ الشعب
الصيني عريق في مدنيته. فإذا كان الحديث عنهم قبل دخولهم عالم المدنية، فهذا يشير إلى أن الزمن الذي كان فيه ذو القرنين متقدم جدا
كَذلِكَ أي كذلك أمر ذي القرنين كذلك الوصف كان كما وصفناه في الفخامة والمقام وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ من الجنود والآلات وأسباب الملك خُبْراً أي علما، أي نحن مطلعون على جميع أحواله وأحوال جيشه، لا يخفى علينا منها شئ، وإن تفرقت أممهم وتقطعت بهم الأرض
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً أي ثم سلك طريقا من مشارق الأرض
حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ قال النسفي: (أي بين الجبلين وهما جبلان سدّ ذو القرنين ما بينهما .... وهذا المكان في منقطع أرض الترك مما يلي المشرق) وقال ابن كثير، وهما جبلان متناوحان (أي متقابلان) بينهما ثغرة يخرج منها يأجوج ومأجوج على بلاد الترك فيعيثون فيها فسادا، ويهلكون الحرث والنسل. ويأجوج ومأجوج من سلالة آدم عليه السلام. كما ثبت في الصحيحين: «إن الله تعالى يقول: يا آدم فيقول: لبيك وسعديك. فيقول: ابعث بعث النار فيقول: وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار، وواحد إلى الجنة، فحينئذ يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها. فقال:
إن فيكم أمتين، ما كانتا في شئ إلا أكثرتاه يأجوج ومأجوج» وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً أي حتى إذا بلغ بين السدين وجد ذو القرنين من دون السدّين قوما لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا أي لا يكادون يفهمون قولا لاستعجام كلامهم، وبعدهم عن الناس. وهذا يفيد أنهم كانوا في عزلة عن الأمم المجاورة، وأن لغتهم كانت غريبة، ولغات من حولهم عنهم غريبة
قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ قتلا وإهلاكا فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً أي خراجا أي أجرا عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا يعني أنهم أرادوا أن يجمعوا له من بينهم مالا يعطونه إياه؛ حتى يجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج سدا، فقال ذو القرنين بعفة وصلاح، وقصد للخير
قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ أي ما جعلني فيه مكينا من كثرة المال واليسار خير مما تبذلون لي من الخراج، فلا حاجة لي إليه فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أي ساعدوني بقوة أي بعملكم وآلات البناء أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً أي حاجزا حصينا موثقا. قال النسفي: والردم أكبر من السد
آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ أي قطع الحديد، والزبرة:
القطعة الكبيرة حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ أي جانبي الجبلين لأنهما يتصادفان أي يتقابلان. أي وضع بعضه على بعض من الأساس، حتى إذا حاذى به رءوس الجبلين طولا وعرضا قالَ انْفُخُوا أي قال ذو القرنين للعملة: انفخوا في الحديد.