الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
نلاحظ أن المقطع عمّق كل ما يساعد على الدخول في الإسلام كله، وما يبعد عن اتباع خطوات الشيطان. وختم المقطع بالتذكير بالنعمة والترهيب من الشرك.
4 -
نلاحظ أنه في المقطع الأول ورد الأمر (انظر) - انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا وهاهنا نجد في هذا المقطع آية مصدرة بالأمر (انظر) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا.
5 -
وإذا لاحظنا أن بداية المقطع الأول هو وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فإن بداية هذا المقطع وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا فالتشابه في بداية المقطعين واضح فإذا علمنا أن بداية المقطع الثالث هي وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ
…
وبداية المقطع الرابع:
وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ وبداية المقطع الخامس: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ ....
عرفنا كيف تدل السورة على مقاطعها، ومن خلال بدايات المقاطع نعرف أن السورة تقيم الحجة على من كفر. وتبين الطريق لمن يريد الشكر، وما ذلك إلا بالدخول في الإسلام واجتناب خطوات الشيطان، وذلك محور السورة الذي تدور حوله معانيها من سورة البقرة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ* فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ* سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ والمقطع يتألف من مقدمة هي آية واحدة، ومن مجموعتين مترابطتين، تتألف كل منهما من عدة فقرات. وسنعرض المقطع كله منبهين على صلاته.
***
مقدمة المقطع والفقرة الأولى من المجموعة الأولى
.
التفسير:
وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ أي لقد كررنا في هذا القرآن المعاني مرة بعد مرة، وكل مرة بأسلوب وطريقة عرض، وجرس وإيقاع ونظم وتمثيل جلّ عن طوق
البشر لِيَذَّكَّرُوا أي ليتعظوا، فإن لم يذكّرهم مقطع منه ذكرهم مقطع آخر، وإن لم يذكرهم مقطع ذكرتهم سورة، وإن لم تذكرهم سورة ذكرتهم سورة أخرى، وإن لم تذكرهم سورة ذكرتهم مجموعة سور، أو قسم من أقسام القرآن. وقوله لِيَذَّكَّرُوا يفيد أن هذا القرآن إنما يأتي الإنسان بما هو مستقر في عقله وقلبه من حقائق إن لم يكن مريضا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً أي وما يزيد هذا القرآن الكافرين والظالمين إلا نفورا عن الحق، وبعدا منه؛ بسبب مرض قلوبهم، وعقولهم، وأنفسهم، وأرواحهم، وانعكاس تصوراتهم، وغلبة شهواتهم؛ هذه الآية هي مقدمة المقطع. وبعد أن بيّن الله عز وجل ما تقوم به الحجة بهذا القرآن، وبين هذا الحال الغريب المريض منهم، أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخاطب عقولهم لمعالجة نفورهم
قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ أي كما يدّعون ويزعمون ويعتقدون إِذاً هذا جواب للافتراض وللقول لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ أي صاحب العرش ومالكه وهو الله سَبِيلًا أي طريقا يتقربون به إليه، قال ابن كثير: يقول تعالى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الزاعمين أن لله شريكا من خلقه العابدين معه غيره ليقربهم إليه زلفا، لو كان الأمر كما يقولون، وأن معه آلهة تعبد لتقرّب إليه، وتشفع لديه، لكان أولئك المعبودون يعبدونه ويتقربون إليه، ويبتغون إليه الوسيلة والقربة، فاعبدوه أنتم وحده، كما يعبده من تدعونه من دونه، ولا حاجة لكم إلى معبود يكون واسطة بينكم وبينه، فإنه لا يحب ذلك، ولا يرضاه بل يكرهه ويأباه، وقد نهى عن ذلك على ألسنة جميع رسله وأنبيائه.
ثم نزّه الله ذاته عن قولهم، وبيّن أن كل شئ ينزّهه. وفي هذا رد عليهم وتبيان لهم أنه تعالى يستحق العبادة وحده فقال: سبحانه وتعالى أي تنزيها له، وترفع جل جلاله عَمَّا يَقُولُونَ أي هو منزّه أن يكون له شريك، ويترفع عن أن يرضى أن يشرك معه غيره، تعالى تعاليا عما يقوله الظالمون في زعمهم أن معه آلهة أخرى. ومن ثم فهم يعبدونهم ولا يعبدونه عُلُوًّا كَبِيراً أي تعالى تعاليا كبيرا عن مزاعمهم، بل هو الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وصف علوه بالكبر للتأكيد على معنى البراءة والبعد مما وصفوه به
تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ قال ابن كثير:
يقول تعالى: تقدسه السموات السبع والأرض، ومن فيهن أي من المخلوقات، وتنزهه وتعظمه وتبجّله وتكبّره عمّا يقول هؤلاء المشركون، وتشهد له بالوحدانية في ربوبيته وإلهيته وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ أي وما من شئ من المخلوقات إلا يسبّح بحمد الله أي يقول سبحان الله وبحمده بلسان المقال، أو بلسان الحال، لأنه يدل الناظر
إليه على تنزه الله، والدال على الخير كفاعله، والأرجح أن تسبيح الأشياء بلسان المقال وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إما لاختلاف اللغات أو لتعسر الإدراك قال ابن كثير: أي لا تفقهون تسبيحهم أيها الناس لأنها بخلاف لغاتكم. وهذا عام في الحيوانات والجمادات والنباتات، وهذا أشهر القولين. إِنَّهُ كانَ حَلِيماً أي لا يعاجل من عصاه بالعقوبة، بل يؤجله وينظره، فإن استمر على كفره وعناده أخذه غَفُوراً لمن أقلع عما هو فيه من كفر أو عصيان، ورجع إلى الله وتاب إليه، فيا أيها الناس توبوا إلى الله ونزّهوه كما ينزهه كل شئ، واتخذوا إليه سبيلا يقربكم إليه. لقد رأينا أن الكافرين لا يزيدهم القرآن إلا نفورا. والآن يبين السياق أن الله عز وجل يحول بين قلوب الكافرين وهذا القرآن، تنزيها لهذا القرآن أن يصل لقلوب مثل قلوبهم، فالقرآن لا يقبل أن يصل إلى قلب نجس، فهو طاهر وطهارة القلوب هي التي تستأهل سكناه ومعناه
وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً أي حجابا ذا ستر أو حجابا لا يرى فهو مستور. ومن ثم فالكافرون تسمع آذانهم ولكن قلوبهم لا تسمع، لأن الحجاب يحول دون الوصول، فهو حائل ومانع أن يصل إليهم شئ مما يقوله، وهل هذا الحجاب هو الأكنّة التي سيذكرها في الآية اللاحقة، أو هو حجاب زائد على تلك الأكنة؟ قولان للمفسرين. رجّح ابن جرير أن الحجاب زائد على وجود الأكنة، فهو إذن حجاب مستور، لا تراه الأبصار، يحول بينهم وبين الهدى. وقد ذكرت الآية سبب استحقاقهم هذا الحجاب وهو كفرهم بالآخرة. فالكفر بالآخرة هو السبب الذي عاقبهم الله به، فجعل بينهم وبين هذا القرآن حجابا
وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أي: أغطية جمع كنان، وهو الذي يستر الشئ أَنْ يَفْقَهُوهُ أي لئلا يفقهوا القرآن وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وهو الثقل الذي يمنعهم من سماع القرآن سماعا ينفعهم ويهتدون به، فهم لكفرهم حيل بينهم وبين القرآن بحجاب وغلاف يغلف قلوبهم وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ أي موحّدا له دل ذلك على أن القرآن ذكر وأنه إعلان للتوحيد وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ أي رجعوا على أعقابهم نُفُوراً أي نافرين نفورا. دلّ ذلك على أنّ التوحيد القرآني لا يستطيع قبوله، ولا تحمله من لا يؤمن بالآخرة، فعلى فرض أنه أصبح عنده توجّه ما لهذا القرآن فإنه ما يكاد يسمع التوحيد القرآني حتى يولي نافرا هاربا.
ثم بيّن الله عز وجل أنه عند ما عاقبهم بالأكنّة والحجاب إنما فعل ذلك لأنه الأعلم بطريقة استماعهم وحالهم ومكرهم عند هذا الاستماع فقال: نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ أي نحن أعلم بالحال