الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نصيرا حجة بينة، واختار ابن جرير قول الحسن وقتادة وهو الأرجح؛ لأنه لا بد مع الحق من قهر لمن عاداه وناوأه»
9 - [حديثان بمناسبة آية وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً]
وبمناسبة قوله تعالى: وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً يذكر ابن كثير حديثين أحدهما رواه البخاري عن عبد الله بن مسعود وهو:
دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة، وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً. جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ. والثاني: رواه أبو يعلى عن جابر رضي الله عنه قال: دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما يعبدون من دون الله، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكبت على وجوهها. وقال: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً.
10 - [تحقيق المؤلف حول آية وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ وسبب نزولها وروايات حولها]
وعند قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ يذكر ابن كثير سبب نزولها. ثم يذكر أقوال المفسرين في المراد في هذا المقام. ثم ينقل تحقيق السهيلي في الروح هل هي النفس أو غيرها؟ أما أقوال المفسرين فيذكر أن منهم من ذهب بأن المراد في الآية أرواح بني آدم، ومنهم من ذهب إلى أن المراد به جبريل. ثم ذكر قولا ضعفه هو وما استدل عليه به، وهو أن الروح ملك عظيم القدر. ثم يذكر أن السهيلي فسر قوله تعالى: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي أي من شرعه، أي فادخلوا فيه، وقد علمتم ذلك لأنه لا سبيل إلى معرفة هذا من طبع ولا فلسفة، وإنما يقال من جهة الشرع. ثم قال:
وفي هذا المسلك الذي طرقه وسلكه نظر.
أقول: إن هذا الذي سلكه السهيلي لا يفهم من المعنى الحرفي للآية، ولكنه يفهم من السياق. فإذ ذكر الله أن القرآن شفاء، ثم أتبعه بذكر الطبيعة الكافرة. ثم عقّبه بالسؤال عن الروح والجواب. فكأن في ذلك إشارة إلى أن أمر الروح لا يعلمه إلا الله، ولا يعلم ما يصلحه إلا الله. ولنعد إلى كلام ابن كثير لننقل منه فقرتين. الأولى كلامه في أسباب نزول الآية. والثانية ما نقله عن السهيلي:
أ- قال ابن كثير في سبب نزول الآية:
روى الإمام أحمد .... عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرث في المدينة، وهو متوكئ على عسيب (جريدة من النخل) فمر بقوم
من اليهود فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، وقال بعضهم لا تسألوه. قال:
فسألوه عن الروح فقالوا: يا محمد، ما الروح؟ فما زال متوكئا على العسيب، قال:
فظننت أنه يوحى إليه فقال: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا. قال: فقال بعضهم لبعض: قد قلنا لكم لا تسألوه.
وهكذا رواه البخاري ومسلم
…
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: بينا أنا مع النّبي صلى الله عليه وسلم في حرث، وهو متوكئ على عسيب، إذ مرّ اليهود، فقال بعضهم لبعض:
سلوه عن الروح، فقال: ما رابكم إليه، وقال بعضهم: لا يستقبلنّكم بشيء تكرهونه. فقالوا: سلوه عن الروح فأمسك النبى صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم شيئا فعلمت أنه يوحى إليه، فقمت مقامي. فلما نزل الوحي قال: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي الآية وهذا السياق يقتضي فيما يظهر بادي الرأي: أن هذه الآية مدنية، وأنها نزلت حين سأله اليهود عن ذلك بالمدينة، مع أن السورة كلها مكية. وقد يجاب عن هذا بأن تكون نزلت عليه بالمدينة مرة ثانية، كما نزلت عليه بمكة قبل ذلك.
أو أنه نزل عليه الوحي بأنه يجيبهم عما سألوا بالآية المتقدم إنزالها عليه وهي هذه الآية وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ومما يدل على نزول هذه الآية. بمكة ما قال الإمام أحمد
…
عن ابن عباس قال: قالت قريش ليهود أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل، فقالوا: سلوه عن الروح. فنزلت: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا. قالوا: أوتينا علما كثيرا. أوتينا التوراة ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا قال: وأنزل الله قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ الآية. وقد روى ابن جرير عن محمد بن المثنى، عن عبد الأعلى عن داود عن عكرمة قال: سأل أهل الكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح. فأنزل الله:
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ الآية. فقالوا: تزعم أنا لم نؤت من العلم إلا قليلا. وقد أوتينا التوراة وهي الحكمة وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً قال:
فنزلت: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ الآية، قال ما أوتيتم من علم، فنجاكم الله به من النار، فهو كثير طيب، وهو في علم الله قليل.
وقال محمد بن إسحاق عن بعض أصحابه عن عطاء بن يسار قال: نزلت بمكة وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. أتاه أحبار
يهود، وقالوا: يا محمد ألم يبلغنا عنك أنك تقول: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا أفعنيتنا أم عنيت قومك. فقال: «كلّا قد عنيت» فقالوا: إنك تتلو أنا أوتينا التوراة، وفيها تبيان كل شئ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«هي في علم الله قليل وقد آتاكم الله ما إن عملتم به انتفعتم» . وأنزل الله وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
ب- قال ابن كثير:
ثم ذكر السهيلي الخلاف بين العلماء في أن الروح هي النفس أو غيرها، وقرر أنها ذات لطيفة كالهواء، سارية في الجسد كسريان الماء في عروق الشجر، وقرر أن الروح التي ينفخها الملك في الجنين هي النفس بشرط اتصالها بالبدن، واكتسابها بسببه صفات مدح أو ذم، فهي إما نفس مطمئنة، أو أمّارة بالسوء، قال: كما أن الماء هو حياة الشجر، ثم يكسب بسبب اختلاطه معها اسما خاصا فإذا اتصل بالعنبة وعصر منها مصطارا (1) أو خمرا، ولا يقال له «ماء» حينئذ إلا على سبيل المجاز، وكذا لا يقال للنفس «روح» إلا على هذا النحو، وكذا لا يقال للروح نفس إلا باعتبار ما تؤول إليه، فحاصل ما يقول: إن الروح هي أصل النفس ومادتها، والنفس مركبة منها، ومن اتصالها بالبدن فهي هي من وجه لا من كل وجه وهذا معنى حسن والله أعلم».
وبعد: ذكرنا في سياق التفسير حكمة ورود آية وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ في المكان الذي جاءت به والآن نضيف بعد ما نقلنا تحقيق السهيلي الذي حبّذه ابن كثير:
1 -
أن الروح تمرض ومرضها في أن تصاب بالحسد أو الكبر أو الحقد أو العجب أو غير ذلك من أمراض النفس، وإذا مرضت فإنها تحتاج إلى دواء وطبيب، وقد جعل الله الأدوية كلها في كتابه وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ
…
فالكلام عن الروح إذن مرتبط بالمرض والشفاء. ومن ثم جاءت في سياقها.
2 -
إن شقاء البشر يكمن في نفوسهم، فبقدر ما تطمئن نفوسهم يسعدون. وبقدر ما تتهذب نفوسهم يسعد بعضهم بعضا، ولا تطمئن الأنفس وتتهذب إلا برحمة من الله وهذا القرآن رحمة وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ومن ثم جاءت آية الروح بعد هذا السياق.
(1) - قال الأزهري: المصطار من أسماء الخمر التي اعتصرت من أبكار العنب بلغة أهل الشام.