الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ وفي ما مرّ معنا من المجموعة انصب الكلام على هؤلاء المستكبرين وختم به فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ فالمجموعة التي نحن فيها ترتبط بما قبلها ارتباطا تاما كما رأينا، كما أنها ترتبط بما بعدها، ومجموعات هذا المقطع كلها مترابطة، والمقطع كله مرتبط بما قبله وما بعده كما سنرى، والآن لنتذكر شيئا: قلنا: إن سورة النحل تفصل آية من سورة البقرة واقعة في حيّز قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ فسورة النحل تفصّل في حيز هذا الأمر وهذا النهي، وقد لاحظنا أن هذا المقطع بآياته التي مرت معنا قد ركز على استنكار الاستكبار وهو الخلق الأول من أخلاق الشيطان، والخطوة الأولى من خطاه. والآن لاحظ شيئا آخر:
قلنا: إن سورة النحل تفصّل لتخدم قوله تعالى: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ فلنلاحظ أن الآيات التي فسرناها من هذه المجموعة ورد فيها قوله تعالى: فَأَلْقَوُا السَّلَمَ إن السلم الذي فرض عليهم أن يدخلوا فيه كله فاستكبروا عنه، سيعطونه كاملا يوم القيامة، ولكن لا ينفعهم، فإذا لاحظنا ما ورد من كلام عن الكبر الذي هو سبب خطوة الشيطان الأولى في رفضه للسجود لآدم، ومجئ كلمة السّلم في هذا السياق ندرك أن اتجاهنا صحيح في العرض، ولله الحمد والمنة، ونعوذ به أن نقول على كتابه ما ليس لنا به علم.
فائدة: [حول موضوع (الكبر) كأحد السلوك البشري وكيفية العلاج منه]
إن موضوع الكبر من أدقّ المواضيع المتغلغلة في السلوك البشري، وقد فسّر الرسول صلى الله عليه وسلم الكبر بأنه غمط الناس وبطر الحق، فأي موقف للإنسان رفض فيه حقا مع معرفة أنه حق، أو انتقص خلق الله، فإنه بذلك يكون سالكا خطوات الشيطان، ومن غمط الناس ما نراه من استكبار الكثيرين عن الأخذ عن العلماء الربانيين أو طاعتهم أو التواضع لهم، إذ إن الله عز وجل جعل التواضع لعباده تواضعا له، وهذا هو امتحانه الأكبر، إن إبليس لم يستنكف عن عبادة الله، ولكن عند ما كلفه ربه بالسجود لمخلوق مثله ظهر كبره وكفره، وكثيرون من الخلق- تجدهم- على غاية من العبادة، ولكنهم يأنفون من طاعة غيرهم ومن اتباعه، ولو كان في ذلك مصلحة الإسلام والمسلمين، ومن ثم نجد المسلمين لا يلتقون إلا قليلا على عمل جماعي منظم لصعوبة انقياد بعضهم لبعض،
مع أنهم يعطون أعداء الله من الانقياد- أحيانا- ما لا يعطونه لرسل الله عليهم الصلاة والسلام، وكل ذلك مظهر من مظاهر الكبر، واتباع لخطوات الشيطان، إلا من عصم ربي وحفظ ممن يحررون مواقفهم فيمنعهم من الاتباع أو الانقياد، أو العمل المشترك مانع شرعي محرر، ولنعد إلى تفسير المجموعة:
فبعد أن بيّن الله عز وجل موقف المستكبرين مما أنزل، وعقوبتهم الدنيوية والأخروية على هذا الموقف يخبرنا الله عز وجل عن موقف أوليائه ممّا أنزل وما يكافئهم به في الدنيا والآخرة: وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا الشرك واتباع خطوات الشيطان ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ أيّ شئ أنزل ربكم قالُوا خَيْراً أي قالوا: أنزل خيرا أي رحمة وبركة لمن اتبعه وآمن به، هذا هو موقفهم مما أنزل الله: ثناء عليه؛ فاستحقوا خيري الدنيا والآخرة، ومن ثم أخبر الله عما يعدهم به فقال: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ أي من أحسن عمله في الدنيا، أحسن الله إليه في الدنيا والآخرة وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ أخبر بأن دار الآخرة خير أي: من الحياة الدنيا والجزاء فيها أتم من الجزاء في الدنيا، وإحسان العبد إنما يكون بالإيمان والعمل الصالح، وقد عرّف الله المحسنين في أكثر من مكان في كتابه، وفي الفوائد كلام. والحسنة التي يعطيها الله مكافأة في الدنيا قد تكون أمنا وطمأنينة، وقد تكون نصرا وفوزا، وقد تكون كل ذلك مع غيره، ومن ثم نكّرها فقال (حسنة) ثم وصف الدار الآخرة فقال: وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ
جَنَّاتُ عَدْنٍ فجنات عدن هي دار المتقين، والعدن: الإقامة يَدْخُلُونَها فلنحرص على التحقق بالتقوى لندخلها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أي بين أشجارها وقصورها لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ قال ابن كثير:
وفي الحديث: «إن السحابة لتمر بالملإ من أهل الجنة وهم جلوس على شرابهم، فلا يشتهي أحد منهم شيئا إلا أمطرته عليهم، حتى إن منهم لمن يقول: أمطرينا كواعب أترابا فيكون ذلك» . كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ أي مثل هذا الجزاء يجزي الله كل من آمن به واتقاه وأحسن عمله، ثم أخبر تعالى عن حال المتقين عند الاحتضار أنهم طيبون، أي مخلّصون من الشرك والدنس وكل سوء، وأن الملائكة تسلم عليهم وتبشرهم بالجنة فقال:
الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ أي طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي بعملكم، فالملائكة تسلّم عليهم وتبشرهم بالجنة، وقد مر معنا من قبل أن نسمة المؤمن تدخل الجنة بعد الموت، والدخول الكامل بالجسم والروح إنما يكون بعد البعث.