الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ أي وأحاط بهم جزاء استهزائهم.
كلمة في السياق:
رأينا أن مقدمة هذا المقطع هي امتداد في معانيها للمقطع الأول، ورأينا ما بين المقدمة والمجموعة الأولى من ترابط. والآن لنرى ما بين المجموعة التي مرت معنا، وما بين المقطع الأول من ترابط:
لا شك أنك لحظت الصلة بين قوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ
…
وبين قوله تعالى في نفس المجموعة الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ
…
والآن تذكر الصلة بين أول السورة التي هي بداية المقطع الأول: أَتى أَمْرُ اللَّهِ وبين آية هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ. فإذا تذكرت هذه الصلة تعرف الارتباط بين المجموعة الثانية، والمقطع الأول، ثم إذا تذكرت أن قوله تعالى فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ فيه إشارة إلى استعجالهم العذاب من باب الاستهزاء، وختم هذه المجموعة بقوله تعالى: وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ تدرك الصلة بشكل أعمق بين هذه المجموعة والمقطع الذي سبقها، وكل ذلك ضمن السياق القرآني العام.
فوائد:
1 - [حول التعريف بكلمتي الإحسان والتقوى وسبب ذكرهما معرفتين غالبا في القرآن]
بمناسبة قوله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ أقول: إن كلمات الإحسان والتقوى معرّفتان كثيرا في القرآن الكريم. وفي كتابنا (جند الله ثقافة وأخلاقا). تعريف دقيق من خلال النصوص القرآنية والحديثية لموضوعي التقوى والإحسان، ولكون هذين المقامين قد علّق الله على التحقق فيهما ما علّق، فإنه من المستحسن أن يرجع الإنسان إلى ذلك الكتاب، وباختصار فإن الإحسان: فعل الأحسن في مصطلح الشرع، مع الإخلاص لله فيه، في حالة شعورية عليا يراقب فيها الإنسان الله عز وجل. قال عليه الصلاة والسلام لما سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان:«أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» . وأما التقوى: فهي ملكة في القلب تتكوّن من سلوك طريق معين، وتنتج إذا وجدت آثار معينة، وعلامتها معاني محددة، وقد جمعنا في موضوعها صفحات كثيرة في كتابنا المشار إليه.
2 - [حول المعارك التي تدور حول تأويل آيات وأحاديث الصفات]
هناك معارك عنيفة تدور حول تأويل آيات وأحاديث الصفات ما بين المعتزلة
والأشاعرة، وما بين الأشاعرة وبعض الحنابلة والمحدثين، وهناك معارك عنيفة جدا بين كل المسلمين وفرق الباطنية في التأويل الذي يشتطون فيه حتى لا يبقوا كلمة قرآنية في محلها.
والملاحظ أن أشد الناس حربا للتأويل يضطرون لتأويل بعض النصوص بصرفها عن ظاهرها الحرفي إلى غيره بسبب من الأسباب، وإذن فلا بد من تأويل ولكن إذا توفرت شروط معينة، كأن يكون هناك ضرورة للتأويل، وكأن يكون المتأول من الراسخين في العلم، وكأن يكون التأويل بما لا يجعل النصوص تتناقض، وكأن يكون ضمن ما تتحمله لغة العرب، نقول هذا بمناسبة مرور آية هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ فهذه الآية وسورتها تفصلان قوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ فالأشاعرة يؤولون قوله تعالى إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ بتقدير كلمة الأمر هنا، أي إلا أن يأتيهم أمر الله في ظلل من الغمام والملائكة، وقد أخذوا ذلك من آية النحل التي ذكرت كلمة الأمر هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ غير أن الآخرين يردون بأنّ سورة البقرة استعملت حرف العطف الواو الذي يقتضي الجمع وهاهنا استعمل حرف العطف (أو) الذي يفيد مجئ أحد المذكورين، مما يشير إلى أن المقامين بينهما شئ من الاختلاف، وأنا
أميل في هذه الأمور إلى ترك التأويل احتياطا، مع مراعاة جانب التنزيه كفريضة واجبة.
ولننتقل الآن إلى المجموعة الثانية في هذا المقطع الذي هو المقطع الثاني: ولنقدم لها بكلمة
رأينا أن مقدمة هذا المقطع قد انتهت بقوله تعالى: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ. ثم رأينا المجموعة الأولى تقول: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أي للمستكبرين ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ
والآن تأتي المجموعة الثانية مبدوءة بقوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أي المستكبرون أنفسهم. وسنرى أن كل مجموعة من مجموعات هذا المقطع مبدوءة إما بقوله للمستكبرين أو بموقف. فالصلة إذن بين مقدمة المقطع، وبين كل مجموعات المقطع على غاية الوضوح، وعلامة البداية لكل مجموعة واضحة، وعلامة البداية والنهاية للمقطع كله واضحة كما سنرى، وهكذا فإن المجموعة الثانية المؤلفة من ثلاث آيات تتضمن قولا للمشركين وردا عليه: