الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقول: والآية تربي المسلمين على ملاحقة الشبهة والتصرف حيالها، كما تربيهم على حسن التطبيق بما يناسب الحال.
4 - [سبب نزول قوله تعالى وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً
.. ]
وفي سبب نزول قوله تعالى: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً .. قال ابن كثير ناقلا عن القرظي: إن اليهود والنّصارى قالوا: اتخذ الله ولدا، وقالت العرب:
لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك، وقال الصابئون: لولا أولياء الله لذلّ فأنزل الله هذه الآية: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً وفي فضل هذه الآية نقل ابن جرير عن قتادة قال: «ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلّم أهله هذه الآية الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً .. الآية الصغير من أهله والكبير» قال ابن كثير: «وقد جاء في حديث أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سمّى هذه الآية آية العزّ، وفي بعض الآثار أنها ما قرئت في بيت ليلة فيصيبه سرق أو آفة والله أعلم» .
كلمة في سورة الإسراء:
هذه السورة تربي أمة، وتعطي العبرة من أمة، وتتحدث عن قبلتين للأمة التي ورثت القبلتين ببركة بعثة محمد صلى الله عليه وسلم.
تبدأ السورة بقوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
هذه المقدمة سارية المعنى في السورة كلها، فالإيمان بعبد الله محمد صلى الله عليه وسلم وبما أنزل عليه، والالتزام به، والاعتراف لله تعالى بالعبودية الكاملة، والكلام عمّن أعطوا المسجد الأقصى قديما فأفسدوا وطغوا وعاقبة ذلك. وتنزيه الله عز وجل عما يقوله الكافرون والمشركون، وتنزيه الله عز وجل بالسلوك العملي للمسلم، كلها معان يجدها الإنسان في السورة.
وإذ تبدأ السورة هذه البداية ثم تجد فيها أوامر كثيرة موجّهة إلى رسول الله- عبد الله حقا- صلى الله عليه وسلم تستشعر أن تنفيذ هذه الأوامر هو الشكر الذي يقابل النعمة العظيمة ولذا ترى أنّ آخر آية في السورة تقول: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً فكل خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم في السورة إنما هو تحقيق لمقام العبودية وأداء لواجب الشكر.
ثم تقول السورة: وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا* ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً* وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ.
أنزل الله كتابا على موسى عليه السلام، جعل فيه الهدى، وطالب بني إسرائيل بالشكر، فأفسدوا فسلّط عليهم، فيا هذه الأمة: لقد أنزل الله عليك الكتاب، وجعله هاديا، فإياك أن تنحرفي. هذا هو الدرس الأول.
وإذ يستقر هذا فإن الله عز وجل يحدّث هذه الأمة عن خصائص كتابه:
إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ..
وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا ..
وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ
…
وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ
…
فهذه خصائص للقرآن، يتحدث عنها السياق، وفي كل مرة يتحدث عن خصيصة من خصائص القرآن نجد أن السياق يبرهن عمليا على وجود هذه الخصيصة.
فالبشرية عامة، والعرب خاصة، تمت عليهم بمحمّد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن النعمة. فالناس قسمان: إما مستجيب، وإما رافض. أما الرافض فإقامة حجة عليه، وإنذار له، ومناقشة لكل كلمة يقولها، وأما المستجيب فتربية له، وتوجيه مباشر وغير مباشر.
والضالون نوعان: منحرف، ورافض، وفي السورة درسان: درس للمنحرف، ودرس للرافض.
وما بينهما كلام لهذه الأمة عن خصائص القرآن، ومناقشة للمواقف منه في ظلال الدرسين، وكل ذلك يخدم موضوع الدخول في الإسلام كله، وترك اتباع خطوات الشيطان، إما بشكل مباشر، وإما بشكل غير مباشر. وأهم ما يخدم موضوع الدخول في الإسلام كله بشكل مباشر الآيات وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ ..
وقوله تعالى: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا* وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا* إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً.
ومن أهم الملاحظات أن نلاحظ أن سورة الإسراء انتهت بقوله تعالى: وَقُلِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً وأن السورة التي تأتي بعدها وهي سورة الكهف تبدأ بقوله تعالى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً* قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً* ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً* وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً .. فإنك تلاحظ أن سورة الكهف تبدأ بذكر الحمد، وتبدأ بمعان موجودة في الآية الأخيرة من سورة الإسراء، فهي تبني على سورة الإسراء، وكلا السورتين مذكور في الآية الأولى منها كلمة «عبده» .
فالسورتان، وسورة مريم بعدهما، وسورة النحل، والحجر قبلهما، تشكل مجموعة واحدة تخدم معنى متكاملا.
وبعد: فإننا نترك سورة الإسراء ولم نشعر أننا بلغنا إلى ما نريد من عرض لوحدة سياقها، وصلة مقدمتها بخاتمتها، كما لم نبلغ إلى ما نريد في تبيان صلتها بمحورها من سورة البقرة غير أننا نحسب أنه قد وضح أن في السورة ذكرا لنعم الله المادية والمعنوية، وتهديدا لمن لم يشكر، وتهديدا لمن بدّل وغيّر وانحرف. كما وضح أن في السورة عرضا لما أنزل على بني إسرائيل، وكيف عوقب من كفر هذه النعمة وبدّلها. كما وضح أنّ في السورة توضيحا لخطوات الشيطان التي ينبغي ألا تسلك. كما وضحت ضرورة الالتزام بالقرآن كله، فإذا كانت هذه الأمور قد وضحت، فحسبنا هي في إقامة الدليل على أن هذه السورة مرتبطة بالمحور الذي ذكرناه من سورة البقرة، وقد آن الأوان لننتقل إلى سورة الكهف: