الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفريج كروبهم، وتطهير عيوبهم، وتكفير ذنوبهم وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ أي الكافرين إِلَّا خَساراً أي ضلالا لتكذيبهم به وكفرهم، فلا ينتفعون به، ولا يعونه، ولا يزيدهم سماعه إلا بعدا وكفرا، والآفة من الكافر لا من القرآن. ومجئ هذه الآية بعد الأوامر الأربعة السابقة يشعر أن هذه الأوامر فيها الشفاء، وفيها الرحمة. كما يشعر أن كل ما سبق من المقطع إنما هو من أجل شفاء القلوب من الضعف والوهن.
كلمة في السياق:
نلاحظ أن المقطع الثاني بدأ بآية مختومة بقوله تعالى: وَما يَزِيدُهُمْ أي القرآن إِلَّا نُفُوراً وقد انتقل المقطع من آية، إلى آية حتى استقر على آية تعكس نورها على ما قبلها، وهي منتهية بقوله تعالى: وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً ومن ثم فإننا نلاحظ أن المقاطع كلها تعالج وضعا واحدا هو موقف الخلق من نعمة القرآن. وما يترتب على ذلك، وكل ذلك في مجال المطالبة بالدخول في الإسلام كله، ويتساءل متسائل ما السّر في كون هذا القرآن لا يزيد الكافر إلا خسارا. ويأتي الجواب في الآية اللاحقة في صيغة تقرير قاعدة وهي:
وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ بالصحة والسعة من مال وعافية وفتح ورزق ونصر أَعْرَضَ عن طاعة الله وعبادته وَنَأى بِجانِبِهِ النأي بالجانب أن يلوي عنه عطفه، ويولّيه ظهره، وهذا تأكيد للإعراض، وإشعار بأن الإعراض فيه معنى الاستكبار وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ وهو الفقر والمرض والحوادث والنوائب والمصائب كانَ يَؤُساً أي قنوطا من أن يعود بعد ذلك إليه الخير، إن هذا هو حال الكافر بدليل قوله تعالى في سورة هود وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ* وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ* إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (الآيات: 9 - 11) دلّت هذه الآيات على أن الذي يقف من النعمة هذا الموقف إنما هو الكافر، ومن ثم فهذه الطبيعة هي السبب في أن الكافر لا يزيده القرآن إلا خسارا؛ لأن القرآن نعمة، ومن طبيعة الكافر أن يقابل النعمة بالإعراض والاستكبار، فإذا كانت هذه طبيعته فهو يقف من أجلّ النعم- وهي القرآن والإسلام- موقف الإعراض والاستكبار، ومن ثم فإن القرآن يزيدهم خسارا، ومن ثمّ قال تعالى:
قُلْ كُلٌّ من المؤمنين الذين يهتدون بالقرآن ويشكرون النعمة، ومن الكافرين
الذين يكفرون النعمة وينأون عن القرآن يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ أي على مذهبه وطريقته التي تشاكل حاله في الهدى والضلال، أو على طبيعته، وهذا شبيه بقول الشاعر: وكل إناء بالذي فيه ينضح. فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا أي أسدّ مذهبا وطريقة منا أو منكم، وسيجزي كل عامل بعمله. قال ابن كثير: وهذه الآية- والله أعلم- تهديد للمشركين ووعيد لهم. أقول: وفي الوقت نفسه ثناء على طبيعة المسلم. وفي هذا السياق يرد سؤال، ويأتي جواب ويقرر تقرير. فلنر السؤال وجوابه والتقرير، ثم لنر محله في السياق: أما السؤال فهو:
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ والسائل هم اليهود كما سنرى في الفوائد قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي أي من أمر يعلمه ربي، أي مما استأثر الله بعلمه، أو هي من عالم الأمر التكويني وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا أي وما أطلعكم من علمه إلا على القليل، فإنه لا يحيط أحد بشيء من علمه إلا بما شاء تبارك وتعالى. والمعنى: أن علمكم في علم الله قليل. وهذا الذي تسألون عنه مما استأثر به تعالى ولم يطلعكم عليه، كما أنه لم يطلعكم إلا على القليل من علمه تعالى. ولنا عودة على موضوع الآية، وموضوع الروح في قسم الفوائد، فهذه الروح التي آثارها ظاهرة، والتي يدل عليها كثير من الظواهر، والتي هي أقرب شئ إلى الإنسان، يقف الإنسان، عاجزا عن إدراك حقيقتها وكنهها. والآن ما الحكمة في إيراد هذه الآية في هذا السياق؟ بعد ذكر كفران النعمة، وذكر كون القرآن شفاء؟
نلاحظ أن هذه الآية والآيتين قبلها قد وردت بين آيات تتحدث عن القرآن، وخواصّه، وإعجازه، إذا عرفنا هذا فإنّ الشئ الذي يتبادر إلى الذهن هو: أن هذا القرآن الذي هو علاج للقلوب والأرواح، ما كان ليكون كذلك، لولا أنه من عند الله، وأن هذه الروح التي لا يعرف غير الله كنهها هو وحده الذي يضع النظام المناسب لها. فهذا الإنسان الذي لا يعرف نفسه يحتاج إلى هداية الله، ومن ثم أنزل الله هذا القرآن الذي لا يستطيع أحد لا محمد صلى الله عليه وسلم ولا غيره أن يأتي بمثله. ومن ثم يختتم المقطع بهذه الآيات.
قال تعالى: وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ المعنى إن شئنا ذهبنا بالقرآن ومحوناه من الصدور والمصاحف، فلم نترك له أثرا ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ أي ثم لا تجد لك بعد الذهاب به من يتوكل علينا باسترداده وإعادته محفوظا مسطورا، إلا أن يرحمك ربك فيردّه عليك إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً في إنزال هذا القرآن، وحفظه عليك. فالقرآن إذن ليس مصدره بشريا، بل هو رباني. حتى محمد صلى الله عليه وسلم لا يستطيع شيئا لو أراد الله أن يسلبه هذا