الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(لقد جاء هذا القرآن ليربي أمة. ويقيم لها نظاما، فتحمله هذه الأمة إلى مشارق الأرض ومغاربها، وتعلم به البشرية هذا النظام وفق المنهج الكامل المتكامل ومن ثم فقد جاء هذا القرآن مفرقا وفق الحاجات الواقعية لتلك الأمة، ووفق الملابسات التي صاحبت فترة التربية الأولى. والتربية تتم في الزمن الطويل، وبالتجربة العملية في الزمن الطويل. جاء ليكون منهجا عمليا يتحقق جزءا جزءا في مرحلة الإعداد، لا فقها نظريا ولا فكرة تجريدية تعرض للقراءة والاستمتاع الذهني.
وتلك حكمة نزوله متفرقا ....
ولقد تلقاه الجيل الأول من المسلمين على هذا المعنى. تلقوه توجيها يطبق في واقع الحياة كلما جاءهم منه أمر أو نهي، وكلما تلقوا منه أدبا أو فريضة. ولم يأخذوه متعة عقلية أو نفسية كما كانوا يأخذون الشعر والأدب؛ ولا تسلية وتلهية كما كانوا يأخذون القصص والأساطير. فتكيّفوا به في حياتهم اليومية. تكيّفوا به في مشاعرهم وضمائرهم، وفي سلوكهم ونشاطهم. وفي بيوتهم ومعاشهم. فكان منهج حياتهم الذي طرحوا كل ما عداه مما ورثوه، ومما عرفوه، ومما مارسوه قبل أن يأتيهم هذا القرآن قال ابن مسعود- رضي الله عنه: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن.
ولقد أنزل الله هذا القرآن قائما على الحق: وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ فنزل ليقر الحق في الأرض ويثبته: وَبِالْحَقِّ نَزَلَ فالحق مادته، والحق غايته. ومن الحق قوامه، وبالحق اهتمامه. الحق الأصيل الثابت في ناموس الوجود والذي خلق الله السموات والأرض قائمين به، متلبسا بهما، والقرآن مرتبط بناموس الوجود كله، يشير إليه ويدل عليه وهو طرف منه. فالحق سداه ولحمته، والحق مادته وغايته. والرسول مبشر ومنذر بهذا الحق الذى جاء به).
3 - [سبب نزول آية قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ .. وآية وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ
.. ]
في سبب نزول قوله تعالى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يذكر ابن كثير ما رواه مكحول أن رجلا من المشركين سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول في سجوده: «يا رحمن يا رحيم» فقال: إنه يزعم أنه يدعو واحدا وهو يدعو اثنين فأنزل الله هذه الآية.
وفي سبب نزول قوله تعالى: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ
سَبِيلًا يروي الإمام أحمد والبخاري ومسلم عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوار في مكة وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها قال: كان إذا صلّى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فلما سمع ذلك المشركون سبوا القرآن، وسبوا من أنزله، ومن جاء به، قال: فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبون القرآن وَلا تُخافِتْ بِها عن أصحابك فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا. فلما هاجر إلى المدينة سقط ذلك يفعل أيّ ذلك شاء.
وقال محمد بن إسحاق: عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جهر بالقرآن وهو يصلي تفرّقوا عنه، وأبوا أن يسمعوا منه، فكان الرجل إذا أراد أن يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض ما يتلوه وهو يصلي استرق السمع دونهم؛ فرقا منهم، فإذا رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع، ذهب خشية أذاهم فلم يسمع، فإن خفض صوته صلى الله عليه وسلم لم يسمع الذين يستمعون من قراءته شيئا، فأنزل الله وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ فيتفرقوا عنك وَلا تُخافِتْ بِها فلا يسمع من أراد أن يسمع ممن يسترق ذلك منهم، فلعله يرعوي إلى بعض ما يسمع فينتفع به وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا.
وروى ابن جرير بسنده عن ابن سيرين قال: نبئت أن أبا بكر كان إذا صلّى فقرأ خفض صوته، وأن عمر كان يرفع صوته، فقيل لأبي بكر: لم تصنع هذا؟ قال:
أناجي ربي عز وجل، وقد علم حاجتي، فقيل: أحسنت. وقيل لعمر: لم تصنع هذا؟ قال أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان، قيل: أحسنت فلما نزلت وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا. قيل لأبي بكر ارفع شيئا، وقيل لعمر اخفض شيئا.
وفي الآية أقوال أخرى:
بعضهم قال إنها نزلت في الدعاء، وبعضهم قال: إنها في التشهد، وبعضهم قال معناه: لا تصل مراءاة للناس، ولا تدعها مخافة الناس، وبعضهم قال: لا تحسن علانيتها وتسئ سريرتها، وبعضهم قال: لا تجهر بالصلاة مثل أهل الكتاب إذ يخافتون، ثم يصيح أحدهم فيصيحون، ثم يعودون إلى المخافتة.