الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمد صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم تنفعه.
وخدمت المقطع الذي قبله والذي فيه وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا إذ ضربت مثلا في إهلاك من يستفز الأنبياء فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً بل هي فسّرت الآية الأولى: إذ الاستفزاز هنا هو القتل، فصار معنى تلك الآية: وإنهم كادوا ليقتلونك ليخرجوك من الأرض، وإذن يستأصلهم الله بعدك لو فعلوا. وبهذا التفسير تخرج من أي إشكال يثار كيف أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ثم لم يستأصلوا، ولقد أجبنا على هذا الإشكال من قبل.
3 -
من خلال الكلام على بني إسرائيل في أول السورة وهنا، ندرك مضمون السورة:
بعث موسى عليه السلام بالآيات، فقابله فرعون بالجحود والظلم والرغبة في الاستئصال فهلك. وقبل بنو إسرائيل الهدى فانحرفوا وأفسدوا فعوقبوا. وهذا محمد صلّى
الله عليه وسلّم عبد الله ورسوله الذي أكرمه الله بالإسراء وأنزل عليه القرآن. الناس من دعوته أحد اثنين: إما معرض محارب، ومصيره مصير فرعون، وإما مستجيب فعليه أن يأخذ كل الكتاب بقوة، وإلا فمصيره مصير بني إسرائيل في التسليط عليه، فإذا اتضح هذا، يتضح معنا كيف أن السورة تفصّل محورها من سورة البقرة وهو: سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ فكفر بها فرعون فأهلك وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ كما فعل بنو إسرائيل إذ جاءتهم البينات من معجزات وتوراة فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ في الدنيا والآخرة.
هذه الآية تخدم الأمر بالدخول في الإسلام كله، واجتناب خطوات الشيطان.
وهذه السورة تحذّر المسلمين من اتباع خطوات الشيطان، وتأمرهم بالإسلام والقرآن كله، وإذ كان الهدف هو الدخول في الإسلام كله بالالتزام بالقرآن كله، والإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك مقتضى معرفة الله، ومقتضى شكره.
فقد ختمت السورة بمجموعة تضمنت هذه المعاني وأمثالها وهذا تفسيرها:
المجموعة الثانية من المقطع الخامس
وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ أي وما أنزلنا هذا القرآن إلا بالحق فهو حق خالص بيّن، ويدعو إلى الحق، ويشتمل على الحق في كل أمر وَبِالْحَقِّ نَزَلَ قال ابن كثير: أي ونزل إليك يا محمد محفوظا محروسا لم يشب بغيره، ولا زيد فيه ولا نقص منه، بل
وصل إليك بالحق، فإنه نزل به شديد القوى، الأمين المكين، المطاع في الملأ الأعلى.
وفي الآية كلام سنجده في الفوائد وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً مبشرا لمن أطاعك من المؤمنين بالجنة، ونذيرا لمن عصاك من الكافرين بالنار
وَقُرْآناً فَرَقْناهُ أي فصّلناه، أو فرقنا فيه الحق من الباطل، أو فصلناه من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل مفرّقا منجما على الوقائع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث وعشرين سنة تقريبا، ولهذا قال: لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ أي لتبلّغه للناس وتتلوه عليهم عَلى مُكْثٍ أي على مهل وتؤدة وتثبّت وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا أي شيئا بعد شئ على حسب الحوادث، فذلك أقوى في فهمه والعمل به.
وإذ تقرر أن هذا القرآن حق خالص وأن من حكمة الله إنزاله مفرقا منجما، يأمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول ثلاثة أقوال:
1 -
قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا أي اختاروا الإيمان وما يترتب عليه، أو غيره وما يترتب عليه، فإيمانكم ينفعكم، وكفركم لا يضره، ويضركم، فسواء آمنتم به أم لا، فهو حق في نفسه، أنزله الله، ونوّه بذكره في سالف الأزمان في كتبه المنزلة على رسله، ومن ثم ذكر عن العلماء بالكتب السابقة كيف يكون موقفهم منه وهو الموقف الإيماني الصحيح إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ أي من صالحي أهل الكتاب، الذين تمسّكوا بكتابهم، ويقيمونه ولم يبدلوه ولا حرّفوه إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ أي القرآن يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً الخرور: السقوط، والذقن: أسفل الوجه، وخصت الذقن بالذكر، لأن أقرب الأشياء عند الخرور إلى الأرض للسجود الذقن
وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا أي تعظيما له وتوقيرا على قدرته التامة إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا أي إنه كان وعد ربنا على ألسنة الأنبياء المتقدمين لمفعولا
وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ أي خضوعا لله عز وجل، وإيمانا وتصديقا بكتابه ورسوله وَيَزِيدُهُمْ أي القرآن خُشُوعاً أي إيمانا وتسليما، ولين قلب ورطوبة عين. هذه هي حال أهل الإيمان من هذا الكتاب: خضوع وخشوع وتسليم وإيمان ويقين، فليت شعري كيف صار الحال من بعد؟ تمرد واحتقار وازدراء، وكم نستأهل من العقاب؟
2 -
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ الدعاء هنا بمعنى التسمية أَيًّا ما تَدْعُوا أي أيّ هذين الاسمين ذكرتم وسميتم فلا فرق إذ فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى أي فإنه ذو الأسماء الحسنى، أي ما تدعون به من الاسمين فهو حسن، لأن كل الأسماء الحسنى له،