الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجموعة الثانية من مجموعات المقطع الثاني وتمتد من الآية (35) إلى نهاية الآية (37) وهذه هي:
16/ 37 - 35
التفسير:
وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ أي من البحائر والسوائب والوصائل وغير ذلك مما كانوا ابتدعوه واخترعوه من تلقاء أنفسهم ممّا لم ينزل به سلطانا، وهذا الكلام يقوله واحد من ثلاثة: إما إنسان يريد أن يحمل الله مسئولية أفعاله ليبرئ نفسه من أي فعل؛ أو إنسان يريد أن يحتج بمشيئة الله على جواز ما يفعله، فكون الله شاء يعني عنده أنّه أباح، أو إنسان يقول هذا الكلام استهزاء بالمؤمنين الذين يؤمنون بأن كل شئ بمشيئة الله فهؤلاء يستهزءون بالمؤمنين، مدّعين أن ما يفعلونه صحيح لأنه مشيئة الله، وهي اتجاهات خاطئة لأن مشيئة الله لا تنافي مسئولية الإنسان، ولأن هناك فارقا بين مشيئة الله ورضاه، فكل شئ بمشيئته، ولكن ليس كل شئ بأمره، وهو موضوع سنتحدث عنه في الفوائد، وقد ردّ الله عليهم أبلغ ردّ بأكثر من حجة:
«الرّدّ الأول: كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي كذّبوا الرسل وحرموا الحلال وقالوا مثل هذه الأقوال فماذا حدث لهم؟ لقد عذّبهم الله غير ظالم لهم، كما قال تعالى في الآيتين السابقتين: وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ* فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا
…
فتعذيب من قبلهم الذين قالوا مثل قولهم دليل على بطلان أقوالهم التي عرضناها لأن الله لا يظلم أحدا.
الردّ الثاني: فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ أي ليس على الرسل إلا أن يبلغوا الحق بمنتهى البيان الذي به تقوم الحجة، وهذه الكلمة هي الرد الثاني على اتجاهاتهم، فإذا كان صحيحا ما ذهبوا إليه فلم يبعث الله الرسل؟ ويأمرهم بالبلاغ؟ ثمّ قرّر الله عز وجل أنّه قد بعث في كل أمة رسلا من أجل التوحيد وترك اتباع الطاغوت، فكيف يكون هذا فعله ثمّ يدّعون أنّ في الشرك واتباع الشيطان رضاه.
وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ أي وحّدوه وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ أي الشيطان، أي اجتنبوا طاعته واتباع خطواته، ثم وضع الله مسألة المشيئة في إطارها الصحيح فقال: فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ لاختياره الهدى واستحقاقه له بدليل نهاية الآية وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ أي لزمته لاختياره لها واستحقاقه ذلك، ومن ثم قال تعالى: فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ حيث أهلكهم الله وأخلى ديارهم عنهم، فعقوبته لهم دليل على إنكاره عليهم؛ وإلا لم يعاقبهم؟
لا كما زعموه في فهمهم لموضوع المشيئة. صحيح أن كل شئ بمشيئة الله، ولكن هذا لا ينفي اختيار الإنسان، ولذلك سمّى الله هؤلاء بالمكذّبين، وكلمة مكذّب اسم فاعل، لقد اختار هؤلاء طريق الضلال فأضلّهم الله قال ابن كثير:(فمشيئته تعالى الشرعية عنهم منتفية؛ لأنه نهاهم عن ذلك على ألسنة رسله، وأما مشيئته الكونية- وهي تمكينهم من ذلك قدرا- فلا حجة لهم فيها؛ لأنه تعالى خلق النار وأهلها من الشياطين والكفرة، وهو لا يرضى لعباده الكفر، وله في ذلك حجة بالغة وحكمة قاطعة) ثم أخبر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن حرصه على هدايتهم لا ينفعهم إذا كان الله قد أراد إضلالهم
إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ أي لا يهدي من اختار الضلال، يدل على ذلك القراءة المتواترة التي تفتح ياء يضل، أو لا يهدي من أضل في مواقفه غيره، أو لا يهدي من استحق الإضلال، فإن مجموع القراءات الواردة في هذا النص تحتمل مجموعة الأوجه، وما من وجه إلا وهو يعبر عن معنى صحيح.