الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
19/ 15 - 14
التفسير:
ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا أي هذا ذكر رحمة ربك عبده زكريا
إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا أي سرا
قالَ أي في دعائه الخفي رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي أي ضعف وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً فشا في رأسي لشيب وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ أي بدعائي إياك رَبِّ شَقِيًّا أي غير سعيد، أي كنت مستجاب الدعوة قبل اليوم، سعيدا به. والمعنى أنني ضعفت، وخارت قواي، واضطرم المشيب في السواد، ولم أعهد منك إلا الإجابة في الدعاء، ولم تردني قط فيما سألتك. والمراد من هذا الإخبار عن الضعف والكبر، ودلائله الظاهرة والباطنة التوسّل إلى الوصول إلى المطلوب، مع الاعتراف إلى الله بإحسانه السابق استدرارا للإجابة إلى ما يدعوه.
ثم بين ماذا يريد ولماذا فقال: وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ أي العصبة من قومي مِنْ وَرائِي أي من بعد موتي. أي خافهم أن يغيّروا الدين، وألا يحسنوا الخلافة على أمته، فطلب عقبا صالحا من صلبه يقتدى به في إحياء الدين وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً أي عقيما لا تلد فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ أي من عندك أي منك بلا سبب، لأن امرأتي لا تصلح للولادة وَلِيًّا أي ابنا يلي أمرك بعدي.
يَرِثُنِي أي يرث مني ميراث العلم والنبوة وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ النبوة. أي يرث نبوتي ونبوة آل يعقوب. ومعنى وراثة النبوة: أنه يصلح لأن يوحى إليه، ولم يرد أن نفس النبوة تورث وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا أي مرضيا عندك، وعند خلقك تحبه وتحببه إلى خلقك في دينه وخلقه أو راضيا عنك وعن حكمك. دعا بالولد من خشيته أن يتصرف قومه من بعده في الناس تصرفا سيئا، فسأل الله ولدا يكون نبيا من بعده ليسوسهم بنبوته، بما يوحى إليه، فأجيب في ذلك كما سنرى؛ رحمة من الله به، سجّلها ربنا في كتابه القرآن، وذكرها
يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى تولى الله تسميته تشريفا لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا أي لم يسم أحد قبله بهذا الاسم. قال النسفي: وهذا دليل على أن الاسم الغريب
جدير بالأثرة. أقول: إذا كان هذا الاسم فيه معنى جميل وفسّر مجاهد السمي بالشبيه.
والمعنى. لم نجعل له من قبل شبيها ومثلا في مجموع خصائصه في كونه لم يعص ولم يهمّ بمعصية، وأنه بين شيخ وعجوز وأنه كان حصورا. والمعنى الأول هو الذي رجّحه
ابن جرير، فلما أجيب زكريا إلى ما سأل، وبشّر بالولد، تعجّب وفرح فرحا شديدا، وسأل عن الكيفية والوجه الذي يأتيه فيه الولد مع أن امرأته كانت عاقرا لم تلد من أول عمرها مع كبرها، ومن ثم قال:
قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ أي كيف يكون لي غلام! وليس هذا باستبعاد وإلا لما دعا؛ بل هو استكشاف أنه بأي طريق يكون؟ أيوهب له وهو وامرأته بتلك الحال. أم يحوّلان شابين؟ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا العتي: هو اليبس والجساوة في المفاصل والعظام، كالعود اليابس. أي بلغت هذه الحال من الكبر والطعن في السن العالية. ومن المبشّر لزكريا هل هو الله مباشرة إلهاما، أو بالواسطة؟ يدل كلام المفسرين على أن التبشير كان بواسطة الملك
قالَ قال ابن كثير: أي الملك مجيبا لزكريا عما تعجّب منه كَذلِكَ أي الأمر كذلك في إيجاد الولد منك، وأنت في هذه الحال، ومن زوجتك هذه لا من غيرها قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ أي يسير سهل. ثم ذكر له ما هو أعجب مما سأل عنه فقال: وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ أي أوجدتك من قبل يحيى وَلَمْ تَكُ شَيْئاً أليس أصلك ذرات متفرقة جمعها الله بكامل قدرته فكانت إنسانا
قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً أي علامة أعرف بها حبل امرأتي قالَ آيَتُكَ أي علامتك أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا مع كونك سوي الأعضاء واللسان، أي علامتك أن يحتبس لسانك عن الكلام ثلاث ليال، وأنت صحيح سوي، من غير مرض ولا علة. قال النسفي: يعني علامتك أن تمنع الكلام فلا تطيقه، وأنت سليم الجوارح، ما بك خرس ولا بكم. ودلّ ذكر الليالي هنا والأيام في آل عمران على أن المنع من الكلام استمر به ثلاثة أيام ولياليهن إذ ذكر الأيام يتناول ما بإزائها من الليالي، وكذا ذكر الليالي يتناول ما بإزائها من الأيام عرفا.
فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ الذي بشّر فيه بالولد والمحراب: هو موضع الصلاة. فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أي أشار إشارة خفية سريعة أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا. قال ابن كثير: أي موافقة له فيما أمر به في هذه الأيام الثلاثة، زيادة على أعماله؛ شكرا لله على ما أولاه
يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ أي التوراة بِقُوَّةٍ أي يجد واستظهار بالتوفيق والتأييد، والتقدير: وهبنا له يحيى وقلنا ليحيى بعد ولادته وأوان الخطاب ذلك وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ أي فهم التوراة والفقه في الدين والقدرة على الفتوى صَبِيًّا أي وهو صبي. قال ابن كثير:
وهذا
…
تضمّن محذوفا تقديره أنه وجد هذا الغلام المبشر به وهو يحيى عليه السلام، وأن الله علّمه الكتاب وهو التوراة التي كانوا يتدارسونها، ويحكم بها النبيون الذين