الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عظيم، وأمر كبير. وأما إن جعل الضمير في قوله (بينهم) عائدا إلى المؤمنين والكافرين، كما قال عبد الله بن عمرو: وأنه يفرق بين أهل الهدى والضلالة به فهو كقوله تعالى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (الروم: 14) وقال:
يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (الروم: 43) وقال تعالى: وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (يس: 29) وقال تعالى: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ- إلى قوله- وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (يونس: 28 - 30).
3 - [حديثان بمناسبة قوله تعالى وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ
.. ]
يذكر ابن كثير بمناسبة قوله تعالى: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً حديثين قال: روى ابن جرير
…
عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الكافر ليرى جهنم فيظن أنها مواقعته من مسيرة أربعمائة سنة» . وروى الإمام أحمد
…
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
4 - [حديث بمناسبة قوله تعالى وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا]
وبمناسبة قوله تعالى: وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا يذكر ابن كثير الحديث الذي رواه الإمام أحمد، وأخرجاه في الصحيحين، عن علي بن أبي طالب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة. فقال: «ألا تصليان» فقلت: يا رسول الله: إنما أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إليّ شيئا، ثم سمعته وهو مولّ يضرب فخذه ويقول: وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا دلّ هذا الحديث على أن الاحتجاج بالقدر في حالة التقصير عن الكمال خلاف الأدب الإسلامي فضلا عن الاحتجاج بذلك لترك الفرائض والواجبات ومواقعة المعاصي.
كلمة في السياق: [حول صلة المقطع الثالث بالمقطع الرابع وبمحور السورة]
ورد قوله تعالى في سورة البقرة زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ في سياق قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ.
وورود آية زُيِّنَ* في هذا السياق يفيد أن العامل الأول في صرف الناس عن
الدخول في الإسلام كافة هو تزيين الحياة الدنيا، وازدراء أهل الإيمان، وفي مقابل ذلك يقرر الله عز وجل أن المتقين فوق الكافرين في الآخرة، وأنه هو الذي يرزق من يشاء، كافرا أو مؤمنا بغير حساب. وقد جاءت سورة الكهف لتفصّل هذه المعاني: فحدّثتنا عن تزيين الحياة الدنيا، وحدّثتنا عن سخرية الكافرين بالإيمان وأهله وأنذرتهم ذلك.
والآن تأتي معنا قصة موسى والخضر عليهما السلام. وقصة ذي القرنين، وفي هاتين القصتين تفصيل لقوله تعالى: وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ* ففي قصة الخضر عليه السلام نموذج للزرق المعنوي بغير حساب.
وفي قصة ذي القرنين نموذج للرزق المادي والمعنوي بغير حساب. فكأن السورة في مقاطعها الأولى فصّلت قوله تعالى: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وهي في مقطعيها القادمين تفصّل قوله تعالى: وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ.*
ثم تأتي الخاتمة وهي المقطع السادس لتفصّل التفصيل الأخير.
وكأن السورة تقول: يا أيها المنصرفون عن الدخول في الإسلام كله. ويا أيها المتّبعون لخطوات الشيطان، إن كنتم تريدون بذلك الرزق، فأنتم مخطئون؛ فالرزق كله الحسي والمعنوي من الله، ويا أيها الذين زينت لهم الحياة الدنيا، وسخروا من أولياء الله، إن الرزق كله من الله فأنتم مخطئون.
ولكن المقطعين وإن كانا في سياقهما العام يخدمان ما قدمنا، فإنهما في سياقهما الخاص يعطياننا معاني كثيرة، وتلك سنّة القرآن، إذ يعطينا معنى من خلال المعنى الحرفي، ومعنى من خلال الآية مع غيرها، ومعنى من خلال المقطع وحده، ومعنى من خلال المقطع ضمن سياق السورة.
…
في قصة موسى والخضر عليهما نجد قوله تعالى: فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً. وفي قصة ذي القرنين إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً. فهما نموذجان على رزق الله عبدا من عباده بغير حساب، ولكن في القصتين من التأديب والتوجيه والعبرة، وتفصيل قضايا حياتية، ما لا يحيط به إلا الله. وكل ما مرّ معنا، وما يمر، يخدم قضية الدخول في الإسلام