الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ الآية (يونس: 2) وقال: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ يعني سلوا أهل الكتب الماضية أبشرا كانت الرسل إليهم أم ملائكة؟ فإن كانوا بشرا فلا تنكروا أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم رسولا، قال تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى (يوسف: 109) ليسوا من أهل السماء كما قلتم».
هذا هو الموقف الذي ترد عليه الآيات، وهكذا نجد أن مجموعات المقطع- وإن كانت تسجيلا لمواقف الكافرين وردا عليها، إلا أنها- تسجل هذه المواقف بأساليب متنوعة.
التفسير:
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فهي سنة الله إذن في أن يرسل رجالا من البشر فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ أي أهل الكتاب ليعلموكم أن الله لم يبعث إلى الأمم السالفة إلا بشرا، وسمّي الكتاب ذكرا لأنه موعظة وتنبيه للغافلين إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ أن هذه سنة الله في هذه القضية
بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ البينات:
المعجزات: والزبر: الكتب. والمعنى: أرسلوا بالمعجزات والكتب، وهما علامتان على الرسالة وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ أي القرآن وهو كتاب ومعجزة بآن واحد فاجتمعت لك به علامتا الرسالة لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ من ربهم لعلمك بما أنزل الله عليك، وحرصك عليه، واتباعك له، ولعلمنا بأنك أفضل الخلائق، وسيد ولد آدم فتفصّل لهم ما أجمل، وتبين لهم ما أشكل وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ في تنبيهاته فينتبهوا، دل هذا على أن مما ينبغي أن يحرص عليه قارئ القرآن التفكر، لأنه بذلك يكون قد حقق حكمة من حكم إنزال هذا القرآن، وبعد أن ردّ الله شبهتهم، وأقام عليهم الحجة، هدّدهم واصفا إياهم بأنهم يمكرون السيئات بموقفهم هذا في إثارة الشبهة حول الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن:
أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أي مكروا المكرات السيئات في محاربة الله ورسوله وكتابه، بمواقفهم وأقوالهم، ودعاء الناس إلى ذلك، وحملهم الناس على هذا المكر أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ كما فعل بمن تقدمهم أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أي بغتة من حيث لا يعلمون مجيئه إليهم
أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ أي في المعايش واشتغالهم بها في أسفارهم ونحوها من الأشغال الملهية في
ليلهم ونهارهم فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ أي فإنهم لا يعجزون الله على أي حال كانوا عليه،
أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ أي متخوفين وهو أن يهلك أحدا قبلهم فيتخوفوا فيأخذهم العذاب وهم متخوفون متوقعون وهو خلاف حالة مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ. قال ابن كثير في تفسيرها: أي أو يأخذهم الله في حال خوفهم من أخذه لهم، فإنه يكون أبلغ وأشد، فإن حصول ما يتوقع مع الخوف شديد، ثم قال تعالى:
فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ حيث لم يعاجلكم بالعقوبة، فهو يحلم عنكم مع استحقاقكم، والمعنى: أنه إذا لم يأخذكم مع ما فيكم فلرأفته ورحمته، فكفّوا إذن عن مكركم السيئات، وآمنوا برسول الله، وادخلوا في دينه، ولا تتبعوا خطوات الشيطان، وبعد أن أنذرهم لفت نظرهم إلى خضوع الأشياء كلها له، وفي ذلك ترغيب لهم أن يوافقوا الأشياء فلا يشذوا عنها، وأن يشاركوا الملأ الأعلى بكمالاته
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ أي ترجع ظلاله من موضع إلى موضع عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ أي ذات اليمين وذات الشمال، أي بكرة وعشيا سُجَّداً لِلَّهِ أي هذه الظلال خاضعة له تعالى: وَهُمْ داخِرُونَ أي صاغرون، أي الأشياء نفسها خاضعة صاغرة، كما أن ظلالها ساجدة، والمعنى: أو لم يروا إلى ما خلق الله من الأجرام التي لها ظلال متفيئة عن أيمانها وشمائلها، بحيث ترجع الظلال من جانب، إلى جانب منقادة لله تعالى، غير ممتنعة عليه فيما سخّرها له من التفيؤ، والأجرام في أنفسها داخرة أيضا صاغرة منقادة لأفعال الله فيها، غير ممتنعة، أو لم يروا ذلك؟ أي: أو لم يروا خضوع الأشياء كلها لله فيخضعوا ويسلموا
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ فملائكة السموات والأرض تسجد، ودواب الأرض والسموات ساجدة وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ عن السجود له تعالى والخضوع
يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ فهم خاضعون خائفون وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ فهم مطيعون.
فإذا كانت الأشياء كلها خاضعة ساجدة، وإذا كان الملائكة ساجدين خائفين مطيعين، فما بال هؤلاء لا يسجدون ولا يخافون ولا يطيعون أي فما لهم لا يدخلون في السلم كافة.