الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الألوسي في تقديمه لسورة النّحل:
«وتسمى كما أخرجه ابن أبي حاتم سورة النعم قال ابن الفرس: لما عدد الله تعالى فيها من النعم على عباده، وأطلق جمع القول بأنها مكية، وأخرج ذلك ابن مردويه عن ابن عباس. وابن الزبير رضي الله عنهم، وأخرج النحاس من طريق مجاهد عن الحبر أنها نزلت بمكة سوى ثلاث آيات من آخرها فإنهن نزلن بين مكة والمدينة في منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد، وفي رواية عنه أنها كلها مكية إلا قوله تعالى: وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا إلى قوله سبحانه: بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ وروى أمية الأزدي عن جابر بن زيد أن أربعين آية منها نزلت بمكة، وبقيتها نزلت بالمدينة، وهي مائة وثمان وعشرون آية، قال الطبرسي وغيره: بلا خلاف، والذي ذكره الداني في كتاب العدد أنها تسعون وثلاث، وقيل أربع، وقيل خمس في سائر المصاحف، وتحتوي على المنسوخ، قيل على أربع آيات بإجماع، وعلى آية واحدة على اختلاف فيها، وسيظهر لك حقيقة الأمر في ذلك إن شاء الله تعالى، ولما ذكر في آخر السورة السابقة المستهزءون المكذبون له صلى الله عليه وسلم ابتدئ هنا بعد قوله تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ بقوله عز وجل: أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ المناسب لذلك على ما ذكر غير واحد في معناه وسبب نزوله. وفي
البحر بيان وجه الارتباط أنه تعالى لما قال: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ كان ذلك تنبيها على حشرهم يوم القيامة وسؤالهم عما فعلوه في الدنيا فقيل: أَتى أَمْرُ اللَّهِ فإن المراد به على قول الجمهور يوم القيامة، وذكر الجلال السيوطي أن آخر الحجر شديدة الالتئام بأول هذه، فإن قوله سبحانه: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ الذي هو مفسر بالموت ظاهر المناسبة بقوله سبحانه هنا: أَتى أَمْرُ اللَّهِ وانظر كيف جاء في المتقدمة يَأْتِيَكَ بلفظ المضارع وفي المتأخرة أَتى بلفظ الماضي لأن المستقبل هنا سابق على الماضي كمّا.
كلمة في سورة النحل ومحورها:
تأتي سورة النحل تفصيلا لقوله تعالى في سورة البقرة: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ
الآتية في حيز قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ* فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فإذا كانت آية هَلْ يَنْظُرُونَ .... جاءت معانيها لتخدم معنى الدخول في الإسلام كله، وترك اتباع خطوات الشيطان فإن سورة النحل جاءت تفصيلا لهذا كله.
ومن ثم نلاحظ في سورة النحل مثل قوله تعالى: أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ .... وهو يصل بسبب إلى قوله تعالى إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ .... وَقُضِيَ الْأَمْرُ. فإذا عرفنا أن هذه أول آية في سورة النحل أدركنا الصلة بين السورة والآية.
كما نجد في سورة النحل قوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وهو يصل بسبب إلى الآية التي هي محور هذه السورة، كما نجد في سورة النحل: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ وهي تصل بسبب إلى قوله تعالى: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ونجد قوله تعالى فيها إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ وهي تصل بسبب إلى الأمر بالدخول في الإسلام كله، وترك اتباع خطوات الشيطان.
…
وإذن فمن الآن نستطيع أن نقول:
جاءت الآية هَلْ يَنْظُرُونَ .... في سورة البقرة لتخدم الأمر بالدخول في الإسلام كله، وترك اتباع خطوات الشيطان
…
لأن من لا يؤمن بالله وباليوم الآخر وما يكون فيه لا يطبق الإسلام كله ولا يترك اتباع خطوات الشيطان وكيف يفعل ذلك؟ وفيه ما فيه من ترك لذاذات وشهوات، وتأتي سورة النحل لتفصّل مقاطعها في كل ما يحتاجه هذا المعنى من تفصيلات: إنّ في تصوير ما سيحدث يوم القيامة، أو في التدليل على وجود الله الذي يعتبر الإيمان باليوم الآخر فرع الإيمان به، أو في التدليل على اليوم الآخر، أو في التذكير به، أو فيما ينبغي على أهل الإيمان بالله واليوم الآخر من التزام كامل بالأوامر والنواهي، مع تفصيلات لبعض هذه الأوامر والنواهي، تميّز مواقف هذه الأمة المؤمنة بالله واليوم الآخر، مع تفصيلات تطمئن المسلم في دنياه وأخراه، مع توجيهات للداعية لهذا الدين، إلى غير ذلك مما سنراه .. مما يخدم الآية المفصّلة في الحيّز الذي جاءت هي لخدمته.
…
تتألف سورة النحل من قسمين رئيسيين:
القسم الأول يمتد من أول السورة حتى قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى
…
وهو تسع وثمانون آية، والقسم الثاني من قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ
…
إلى نهاية السورة وهو تسع وثلاثون آية.
القسم الأول يضع الأساس النظري.
والقسم الثاني يبني على الأساس النظري فيأمر وينهى ويوجّه ويؤدّب.
والقسم الأول ثلاثة مقاطع والقسم الثاني مقطع واحد يتألف من مقدمة هي آية واحدة وهي قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. ثم من خمس مجموعات.
ولنبدأ عرض السورة: