الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث، وقد يقر بعضهم أن أوربا وأمريكا تملكان زمام القوة المادية اليوم مع فشو هذه الفاحشة فيها. ولكن آثار هذا الانحلال في الأمم القديمة منها كفرنسا ظاهرة لا شك فيها.
أما في الأمم الفتية كالولايات المتحدة، فإن فعلها لم تظهر بعد آثاره بسبب حداثة هذا الشعب واتساع موارده كالشاب الذي يسرف في شهواته فلا يظهر أثر الإسراف في بنيته وهو شاب ولكنه سرعان ما يتحطم عند ما يدلف إلى الكهولة فلا يقوى على احتمال آثار السن كما يقوى عليها المعتدلون من أنداده!
والقرآن يحذر من مجرد مقاربة الزنا. وهي مبالغة في التحرّز، لأن الزنا تدفع إليه شهوة عنيفة فالتحرز من المقاربة أضمن، فعند المقاربة من أسبابه لا يكون هناك ضمان.
ومن ثم يأخذ الإسلام الطريق على أسبابه الدافعة، توقّيا للوقوع فيه .. يكره الاختلاط في غير ضرورة. ويحرم الخلوة، وينهى عن التبرج بالزينة. ويحضّ على الزواج لمن استطاع، ويوصي بالصوم لمن لا يستطيع، ويكره الحواجز التي تمنع من الزواج كالمغالاة في المهور.
وينفي الخوف من العيلة والإملاق بسبب الأولاد. ويحضّ على مساعدة من يبتغون الزواج ليحصنوا أنفسهم، ويوقع أشد العقوبة على الجريمة حين تقع، وعلى رمي
المحصنات الغافلات دون برهان .... إلى آخر وسائل الوقاية والعلاج، ليحفظ الجماعة الإسلامية من التردي والانحلال.».
2 - [حول موضوع النهي عن القتل في قوله تعالى وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِ]
وبمناسبة النهي عن القتل قال صاحب الظلال:
والإسلام دين الحياة ودين السلام، فقتل النفس عنده كبيرة تلي الشرك بالله، فالله واهب الحياة، وليس لأحد غير الله أن يسلبها إلا بإذنه، وفي الحدود التي يرسمها. وكل نفس هي حرم لا يمس، وحرام إلا بالحق، وهذا الحق الذي يبيح قتل النفس محدد لا غموض فيه، وليس متروكا للرأي ولا متأثرا بالهوى. وقد جاء في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله الله وأن محمدا رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والزاني المحصن، والتارك لدينه المفارق للجماعة» .
فأما الأولى: فهي القصاص العادل الذي إن قتل نفسا فقد ضمن الحياة لنفوس وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ حياة بكف يد الذين يهمون بالاعتداء على الأنفس والقصاص ينتظرهم فيردهم قبل الإقدام على الفعلة النكراء. وحياة بكف يد أصحاب
الدم أن تثور نفوسهم فيثأروا ولا يقفوا عند القاتل، بل يمضوا في الثأر، ويتبادلوا القتل فلا يقف هذا الفريق وذاك حتى تسيل دماء ودماء. وحياة بأمن كل فرد على شخصه واطمئنانه إلى عدالة القصاص، فينطلق آمنا يعمل وينتج فإذا الأمة كلها في حياة.
وأما الثانية: فهي دفع للفساد القاتل في انتشار الفاحشة، وهي لون من القتل على النحو الذي بيّناه.
وأما الثالثة: فهي دفع للفساد الروحي الذي يشيع الفوضى في الجماعة، ويهدد أمنها ونظامها الذي اختاره الله لها، ويسلمها إلى الفرقة القاتلة، والتارك لدينه المفارق للجماعة إنما يقتل لأنه اختار الإسلام لم يجبر عليه، ودخل في جسم الجماعة المسلمة، واطلع على أسرارها، فخروجه بعد ذلك عليها فيه تهديد لها. ولو بقي خارجها ما أكرهه أحد على الإسلام. بل لتكفل الإسلام بحمايته إن كان من أهل الكتاب، وبإجارته وإبلاغه مأمنه إن كان من المشركين وليس بعد ذلك سماحة للمخالفين في العقيدة.
وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ .. وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً.
تلك الأسباب الثلاثة هي المبيحة للقتل، فمن قتل مظلوما بغير واحد من تلك الأسباب فقد جعل الله لوليه- وهو أقرب عاصب إليه- سلطانا على القاتل، إن شاء قتله وإن شاء عفا على الدية، وإن شاء عفا عنه بلا دية، فهو صاحب الأمر في التصرف في القتل، لأن دمه له.
وفي مقابل هذا السلطان الكبير ينهاه الإسلام عن الإسراف في القتل استغلالا لهذا السلطان الذي منحه إياه، والإسراف في القتل يكون بتجاوز القاتل إلى سواه ممن لا ذنب لهم- كما يقع في الثأر الجاهلي الذي يؤخذ فيه الآباء والأقارب بغير ذنب إلا أنهم من أسرة القاتل- ويكون الإسراف كذلك بالتمثيل بالقاتل، والولي مسلّط على دمه بلا مثلة. فالله يكره المثلة والرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عنها فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً. يقضي له الله، ويؤيده الشرع، وينصره الحاكم. فليكن عادلا فى قصاصه، وكل السلطات تناصره وتأخذ له بحقه.
وفي تولية صاحب الدم على القصاص من القاتل، وتجنيد سلطان الشرع وسلطان