الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بين يدي هذا المقطع: [نقل: حول قصة ذي القرنين ويأجوج ومأجوج عن صاحب الظلال والأستاذ الندوي]
للمفسرين تحقيقات طويلة حول شخصية ذي القرنين من هو؟ وحول يأجوج ومأجوج من هم؟ ونحن سنذكر لك في هذه المقدمة، وأثناء التفسير، وفي الفوائد أمهات الاتجاهات، ونبدأ هنا بذكر نقول ثلاثة نعتبرها من أهم ما ذكر: نقلان عن الظلال، ونقل عن الأستاذ الندوي في رسالته (تأملات في سورة الكهف).
1 -
بمناسبة الكلام عن ذي القرنين قال صاحب الظلال: (إن النص لا يذكر شيئا عن شخصية ذي القرنين ولا عن زمانه أو مكانه، وهذه هي السّمة المطردة في قصص القرآن. فالمقصود هو العبرة المستفادة من القصة. والعبرة تتحقق بدون حاجة إلى تحديد الزمان والمكان في أغلب الأحيان.
والتاريخ المدوّن يعرف ملكا اسمه الإسكندر ذو القرنين، ومن المقطوع به أنه ليس ذا القرنين المذكور في القرآن. فالإسكندر الإغريقي كان وثنيا. وهذا الذي يتحدث
عنه القرآن مؤمن بالله موحّد معتقد بالبعث والآخرة.
ويقول أبو الريحان البيروني المنجم في كتاب: (الآثار الباقية عن القرون الخالية) إن ذا القرنين المذكور في القرآن كان من حمير مستدلا باسمه. فملوك حمير كانوا يلقبون بذي، كذي نواس، وذي يزن، وكان اسمه أبا بكر بن أفريقش. وأنه رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فمر بتونس ومراكش وغيرها. وبنى مدينة إفريقية فسميت القارة كلها باسمه، وسمي ذا القرنين لأنه بلغ قرني الشمس.
وقد يكون هذا القول صحيحا. ولكننا لا نملك وسائل تمحيصه. ذلك أنه لا يملك البحث في التاريخ المدوّن عن ذي القرنين الذي يقص القرآن طرفا من سيرته، شأنه شأن كثير من القصص الوارد في القرآن، كقصص قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وغيرهم. فالتاريخ مولود حديث العهد جدا بالقياس إلى عمر البشرية. وقد جرت قبل هذا التاريخ المدون أحداث كثيرة لا يعرف عنها شيئا. فليس هو الذي يستفتى فيها.
ولو قد سلمت التوراة من التحريف والزيادات لكانت مرجعا يعتمد عليه في شئ
من تلك الأحداث، ولكن التوراة أحيطت بالأساطير التي لا شك في كونها أساطير.
وشحنت كذلك بالروايات التي لا شك في أنها مزيدة على الأصل الموحى به من الله، فلم تعد التوراة مصدرا مستيقنا لما ورد فيها من القصص التاريخي.
وإذن فلم يبق إلا القرآن. الذي حفظ من التحريف والتبديل، هو المصدر الوحيد لما ورد فيه من القصص التاريخي.
ومن البديهي أنه لا يجوز محاكمة القرآن الكريم إلى التاريخ لسببين واضحين:
أولهما: أن التاريخ مولود حديث العهد، فاتته أحداث لا تحصى في تاريخ البشرية، لم يعلم عنها شيئا. والقرآن يروي بعض هذه الأحداث التي ليس لدى التاريخ علم عنها.
وثانيهما: أن التاريخ- وإن وعى بعض هذه الأحداث- هو عمل من أعمال البشر القاصرة يصيبه ما يصيب جميع أعمال البشر من القصور والخطأ والتحريف، ونحن نشهد في زماننا هذا- الذي تيسرت فيه أسباب الاتصال ووسائل الفحص- أن الخبر الواحد أو الحادث الواحد يروى على أوجه شتى، وينظر إليه من زوايا مختلفة، ويفسر تفسيرات متناقضة ومن مثل هذا الركام يصنع التاريخ، مهما قيل بعد ذلك في التمحيص والتدقيق.
فمجرد الكلام عن استفتاء التاريخ فيما جاء به القرآن الكريم من القصص، كلام تنكره القواعد العلمية المقررة التي ارتضاها البشر، قبل أن تنكره العقيدة التي تقرر أن القرآن هو القول الفصل. وهو كلام لا يقول به مؤمن بالقرآن، ولا مؤمن بوسائل البحث العلمي على السواء. إنما هو مراء).
2 -
وبمناسبة الكلام عن ذي القرنين قال الأستاذ الندوي: (وذهب بعض الفضلاء المعاصرين (أشهرهم مولانا أبو الكلام آزاد الزعيم المسلم والكاتب الإسلامي ووزير المعارف سابقا في الجمهورية الهندية) إلى أنه (أي ذي القرنين) الشخص الذي يسميه اليونان «سائرس» وتسميه اليهود «خورس» ويذكره المؤرخون العرب ب «كيخسرو» «وقد لخص الأستاذ الندوي في حاشية كتابه ما ذكره الأستاذ أبو الكلام آزاد عن هذا الرجل فقال: «ظهر سائرس في سنة 559 ق. م. وقد جمع بين مملكتين فارسيتين عظيمتين، كانتا قد انفصلتا منذ زمان، وهما: (ميديا) الجزء الشمالي الذي قد يعبر عنه المؤرخون العرب ب «ما هات» (وفارس) الجزء الجنوبي، فكون منهما إمبراطورية فارسية عظمى، ثم امتدت فتوحه التي اتسمت بالعدل والكرم، والانتصار
للضعيف المظلوم، فلم ينقض اثنا عشر عاما حتى خضعت له البلاد والدول ما بين البحر الأسود إلى باختر Bactria وقد ثبت تاريخيا أنه غزا الغرب مرة، فأوغل فيه إلى غرب آسيا الصغرى، وفتح دولة ليديا التي كانت عاصمتها ساردس Sardis حتى وصل إلى البحر في أقصى الغرب، فوجده يموج، وتراءت له الشمس تغرب فيه، فتوقف هناك لعدم وجود البوارج الحربية، ولا يستغرب إذا كان قد وصل إلى ساحل من سواحل بحر إيجه Agean Sea الواقع في جوار «سمرنا» والبحر يتراءى هناك بحيرة، وقد تمثلت له الشمس في الأصيل تغيب في الوحل الذي نشأ على ساحلها. وهو الذي يصوره القرآن بقوله: وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ.
وغزا ثانية الشرق، فوصل في هذه الغزوة إلى مكران وبلخ، وأخضع القبائل الهمجية التي ليست لها وقاية من الشمس لبعدها من المدينة وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً ثم ذهب إلى بابل العاصمة المنيعة، فأنقذ اليهود «بني إسرائيل» من الذل والأسر. والاضطهاد الذي سلّطه عليهم ملك بابل «بختنصر» فأصبح بذلك منقذ اليهود، ولهجوا بذكره والثناء عليه، والتساؤل عنه، وبذلك حقق نبوءات بني إسرائيل الواردة في التوراة.
وكانت له غزوة ثالثة في الشمال. وقد ترك بحر خزر Caspian Sea عن يمينه، حتى وصل إلى جبال القفقاس، فوجد فجوة واقعة في هذه الجبال كان يدخل منها يأجوج ومأجوج، ويعيشون في البلاد، وهنا أقام السد، وقد مات سائرس سنة 529 ق. م فوجد في سنة 1838 م تمثال من رخام في أنقاض اصطخر Passar Gadae ظهر في رأسه قرنان مثل قرني الكبش، يمثلان مملكتي ميديا وفارس اللتين جمع بينهما سائرس، وبذلك سمي ذو القرنين. وقد شهد المؤرخون العصريون بكرم سائرس وشخصيته العادلة الفاضلة، ومن أراد التوسع في ذلك فليقرأ مقالة البروفسور B.Grundi راجع المجلد الثاني من Universal History Of The World. لمؤلفه. J.A.Hammerton
3 -
وبمناسبة الكلام عن يأجوج ومأجوج قال صاحب الظلال: «وبعد فمن يأجوج ومأجوج؟ وأين هم الآن؟ وماذا كان من أمرهم وماذا سيكون! كل هذه أسئلة تصعب الإجابة عليها على وجه التحقيق، فنحن لا نعرف عنهم إلا ما ورد في القرآن، وفي بعض الأثر الصحيح. والقرآن يذكر في هذا الموضع ما حكاه من قول ذي القرنين: فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا.